وصل دونالد ترامب الى الإدارة الأمريكية رئيساً، في زمنٍ تعاني فيه واشنطن من الضعف الدولي. الأمر الذي فرض على العالم انتظار الرئيس الجديد، لتتبيَّن معالم سياسته الدولية خصوصاً تجاه روسيا وإيران. لكن الأمر المُتيقَّن عن العهد الجديد هو اصطدامه بالأزمات الأمريكية الداخلية والدولية. فكيف عبَّر الإعلام الأمريكي عن حجم الفوضى على الصعيد الداخلي؟ وكيف بانت سياسة الإصطدام الأمريكي عل ىالصعيد الدولي؟
على الصعيد الداخلي: واشنطن بوست تكشف حجم الفوضى
كشفت صحيفة واشنطن بوست عن أن بداية العهد الرئاسي الأمريكي شهد حصول ترامب على خصمٍ جديدٍ في الداخل، وهو الجسم القضائي المتمثل بالمحكمة الفيدرالية والتي كسرت قرار ترامب الذي منع بموجبه رعايا سبع دول من دخول البلاد الأمريكية. وهو الأمر الذي أكدت الصحيفة أن مستشار ترامب للشؤون الإستراتيجية "ستيفن بانون" هو المسؤول عنه لا سيما أن الأخير خاض مواجهة داخلية مع وزير الأمن الداخلي "جون كيلي" الذي رفض طلب بانون بعدم التزام القرار الصادر عن المحكمة الفدرالية.
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن اجتماعاً عبر الهاتف عُقد بين مسؤولي إدارة ترامب الكبار أفضى الى انقسامٍ كبير في الرأي بين رافضٍ للسير في مشروع تحدّي القضاء ومؤيدٍ لذلك. حيث ضمَّ الرافضون للمشروع كلاً من وزراء الدفاع والخارجية والأمن الداخلي ومستشار الأمن القومي، فيما أيد المشروع كافة مستشاري الرئيس الأمريكي.
وحول أسباب الرفض أشارت الصحيفة أن الفريق الرافض للقرار اعتبر أنه ألحق ضرراً كبيراً بصورة إدارة ترامب، وبالبلاد عموماً. فيما تذرّع المدافعون عن القرار بأنه يهدف الى إلزام الدول الممنوعة في الدخول في تعاون أمني واستخباراتي مع أمريكا، وهو الأمر الذي يمنح واشنطن أوراق قوة على مستوى الشرق الأوسط.
على الصعيد الدولي: سياسات اصتدامٍ ونشر فوضى
عدة تحليلاتٍ يمكن الخروج بها ووضعها في خانة الفوضى التي ينوي ترامب نشرها:
أولاً: التصعيد في وجه دول أمريكا الجنوبية والبداية في العلاقة مع المكسيك. حيث وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 26 كانون الثاني مرسوماً يهدف لتأمين الحدود الجنوبية الأمريكية عبر بناء جدار، ما تسبب بأزمة دبلوماسية حادة مع المكسيك. فيما ستُنفِّذ المشروع شركة "ميجال سيكوزي سيستيمز" الإسرائيلية والتي سبق أن نفّذت الجدار العازل مع قطاع غزة والضفة الغربية. كما أعلنت واشنطن أن أحد أسباب بناء الجدار هو الحد من الهجرة غير الشرعية عبر بناء حواجز مادية وأجهزة التقاط تقنية.
ثانياً: إفتعال التوتر الدولي مع إيران. الأمر الذي بدا اليوم أنه يهدف لكسب أوراق تفاوضية على الصعيد الدولي وليس أكثر. فالسياسة الإيرانية القوية والمشهورة بالحكمة في إدارة الصراع الدولي واستثمار الوقت لصالحها، ردّت على الموقف الأميركي بموقف مضاد، أبلغت فيه المعنيين عبر رسائل علنية صرح بها المسؤولون الإيرانيون، بأن زمن فرض السياسات الأمريكية انتهى. وهو ما تزامن مع قراراتٍ تنفيذية بسيطة، إتخذتها إيران، حجبت فيها تأشيرات الدخول عن جميع الأميركيين الساعين بكثرة للإستثمار في الأسواق الإيرانية. فيما أعلن البنك المركزي الإيراني منع التداول بالدولار الأميركي. وهو ما يوضع في خانة ردة الفعل الطبيعية والمدروسة. الأمر الذي أحدث بلبلة في الأوساط الأمريكية، حول مخاطر تغيير المنحى السياسي للإدراة الأمريكية تجاه إيران بشكل مفاجئ.
ثالثاً: إعادة تركيا للحضن الأمريكي. حيث تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة، إعادة مجد العلاقة الأمريكية التركية الى مسارها، دون التضحية بأي مصلحة أمريكية قد لا تُناسب أنقرة خصوصاً الورقة الكردية. فيما يستثمر الأمريكي بطموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الساحة السورية ويسعى لإستغلال الضعف في واقع تركيا الداخلي إقتصادياً وأمنياً. وهو ما ساهم في إطلاق أمريكا لمُقترح المناطق الآمنة مما يُمكِّن أنقرة من لعب دور أوسع لكن ضمن المساحة التي ترسمها واشنطن.
رابعاً: تعهُّد المصالح والمشاريع الإسرائيلية. حيث من الواضح أن وصول ترامب وبداية عهده بسياساتٍ تصادمية ساهم في دفع تل أبيب لمزيدٍ من سياسات الإستيطان والتي كان آخرها تشريع المستوطنات القائمة على أملاك فلسطينية في الضفة الغربية. فمراعاة الخاطر الإسرائيلي أمرٌ يقع ضمن أولويات العهد الأمريكي الجديد والذي تحتاج فيه واشنطن لحليفٍ كتل أبيب بات يُدير مشاريع ذات مصالح مشتركة مع أنظمة عربية. فيما تشخص الأنظار اليوم تجاه اللقاء المُرتقب بين ترامب و نتنياهو في 15 من الشهر الجاري وسط كلام يشير الى تمسّك الحكومة الإسرائيلية بمبدأ تنفيذ مشروع ترحيل العرب الإسرائيليين خارج حدود الكيان الإسرائيلي والسعي الى اقتطاع منطقة نفوذ مباشرة جنوب الأراضي السورية لحماية الجغرافيا الإسرائيلية من خطر حزب الله.
إذن، تعيش أمريكا فشلاً داخلياً وخارجياً. فشلٌ سببه تراجع قدرة أمريكا على الفرض أو التأثير غير المحسوب. أمام حلفاء باتوا يعيشون خطراً وجدودياً يحتاج لجعل خطوات أي سياسة مدروسة، منعاً لنتائج غير مؤاتية للمصالح. وبين الأزمات الداخلية والخارجية لأمريكا، ظهرت سياسة واشنطن المبنية على نشر الفوضى، في زمن الضعف الأمريكي.