الوقت - هناك بديهية عسكرية تقول إن معرفة العدو نصف النصر، ويجب علينا أن لا نتردد في الحديث عن أفكار العدو، لأنه يعمل في ضوء هذه الأفكار، فلماذا نخبئها نحن؟ وبما أن الأفكار تخرج من المطبخ الأمريكي الصهيوني كأصيل وينفذها بالوكالة الوكلاء والكفلاء، فإن المشهد يصبح لدينا اوضح وأطرافه وأحلافه معروفة الاهداف، فالمستهدف واحد والمستفيد واحد. وفي اطار العدوان السعودي على اليمن نعود لنطرح تلك المقولة من جديد، فما الذي يميز هذا العدوان عن ما تعرضت له امتنا العربية والاسلامية ولا تزال تتعرض له من فلسطين الى لبنان وسوريا وغيرها ...؟ ويبقى السؤال الابرز حول الجهة او الجهات الحقيقية المستفيدة من هذا العدوان وما الذي ستجنيه الرياض مقابل ذلك؟
هذه التساؤلات التي تطرح نفسها يمكن الاجابة عنها من خلال دراسة التطورات التي تشهدها المنطقة، واستشفاف التصريحات التي تصدر من هنا وهناك والتي تكمن فيها الاهداف الحقيقية لهذه الحرب، مع الاشارة في بادئ الامر الى الذرائع التي صرحت بها السعودية لتبرير عدوانها على اليمن.
فمنذ بداية الحرب أعلنت السعودية بأنها قلقة بشأن ما يحدث في اليمن من احداث ومجريات، وانها حريصة على امن المنطقة والجوار، ملخصة اهدافها كالتالي:
إعادة الامن والاستقرار لليمن والمنطقة.
استعادة الشرعية والسيادة لليمن وإجراء القوانين.
إعادة الرئيس المستقيل والفار والمنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي لممارسة مهامه.
خطر مؤامرة ايرانية شيعية عالمية.
أليس من المضحك المبكي أن نكبة فلسطين مضى عليها ما يقارب 70 عاماً، وبالرغم من وجود العشرات من القرارات الدولية للأمم المتحدة في صالح الشعب الفلسطيني، لكنها بقيت حبرا على ورق حتي يومنا هذا؟ فبالرغم من القتل والارهاب بالارض والعرض والتراث، لم نر من السعودية اي شيء ايجابي سوى كونهم ظاهرة صوتية. فأين الحريات والشرعية في السعودية التي يقوم نظامها على اسس الملكية والتوريث؟ وهل كانت ايران في الستينات من القرن الماضي حينما اعتدت السعودية على اليمن؟ وأين اهداف اليمن من قتل الاطفال وتهديم البيوت والمنشآت الحيوية والاقتصادية؟
وعودة الى ما طرحناه في بداية الكلام عن الجهة او الجهات المستفيدة من العدوان السعودي على اليمن، يتبين من خلال ملاحظة طبيعة هذا العدوان والظروف المحيطة به، ان المستفيد الوحيد هو الكيان الاسرائيلي الذي يسعى الى بسط هيمنته على المنطقة، من خلال دعمه للانظمة العميلة والرجعية والجماعات الارهابية والتكفيرية لاسيما "داعش" و"القاعدة" رغم ادعائها زيفاً بأنها تحارب هذه الجماعات.
والتحليل الذي يسوقنا الى هذا الاستنتاج يكمن في عدة عوامل ويمكن سياقه بالمراحل والاحداث التي مر بها عالمنا العربي من ثورات وما رافقه من مواقف امريكية. والتهديد الذي شعرت به كل من السعودية والكيان الإسرائيلي نستعرضه كالتالي:
-1- آل سعود، ومن ورائهم الصهاينة، لا يريدون للنظام العربي ان يتقدّم أو للشعب العربي ان يتحرّر. وإن القضايا نفسها التي كانت وراء التدخّل العسكري السعودي ــ الإسرائيلي في اليمن في الستينيات، هي نفسها وراء التدخّل الحالي، وكما كان الكيان الإسرائيلي حاضراً بقوّة آنذاك في العدوان على اليمن، فإنه حاضر اليوم أيضاً. ذلك أن اي ثورة وتحرر في المنطقة من شأنه ان يهدد الصهاينة كما أل سعود، خاصة شعارات الشعب اليمني الواضحة التي تصدح بها حناجر ابنائه وفي مقدمتها الموت لامريكا والموت لاسرائيل.
-2- رأت السعودية والكيان الإسرائيلي أن أوباما خلافاً لبوش متحفّظ في استعمال القوّة، وعليهما القيام بمهمات حربيّة في غياب مبادرة أمريكيّة للتدخّل العسكري في المنطقة. فقد كانت الخيبة السعوديّة من عدم شنّ أوباما حرباً مباشرة في سوريا كبيرة، كما تبين للكيان الإسرائيلي أن الحكومة الأمريكيّة لا تمانع في التخلّي عن أقرب حلفائها إذا ما وجدت أن مصلحتها تقتضي التضحية بطاغية والعمل على تنصيب طاغية بديل، خاصة في موضوع مصر، وهو ما كان يعارضه هذا الكيان ووحّد الجهود بين السعودية والكيان الإسرائيلي في مواجهة الثورات العربية.
-3- ان الانتصارات التي يحققها كل من الشعب العراقي والسوري في مواجهة المجموعات التكفيرية، حذى بالكيان الإسرائيلي الى دفع السعودية بشن الهجوم والاعتداء على الشعب اليمني، بحجة محاربة المخلين بأمن اليمن، وهو خلط للمفاهيم ومصادرة لانتصارات الشعب اليمني كما الشعب العراقي والسوري. اذ ان التمييز واضح جدا بين الثوار في اليمن الذين يطالبون بالحد الادني من حقوقهم كمواطنين يمنيين وبالتحرر من الخضوع لهيمنة السعودية، وبين المجموعات التكفيرية التي تقتل وتذبح وتخرب لما فيه نفع الكيان الإسرائيلي وخدمته، وهو ما أعطى دافعا ودعما للمجموعات التكفيرية ومساندة فعلية على المستوى العسكرى والمعنوى.
-4- المجموعات التكفيرية وبسبب الدعم السعودي تحقق مكاسب مباشرة على الأرض مع محاولتهم أخذ أراض والسيطرة على أراض في خطوط القتال وهو ما يتوافق مع المصالح الاسرائلية.
-5- إنّ المُحافظة على باب المندب، وعدم السماح لجماعة أنصار الله من السيطرة عليه، هو مصلحة إستراتيجيّة للكيان الإسرائيلي لما له من اهمية، ذلك أنه المضيق الأهم لحركة سفنهم وتواصلهم مع العالم. فقد تأكد هذا الكيان من خلال المعطيات على أرض الواقع، أن استرجاع اليمنيين لمضيق باب المندب يمثل شوكة قد تدميه وتضرب مصالحه وتهدد وجوده.
بهذا الاعتداء يسجّل التاريخ العربي المعاصر حقبة جديدة بدأت على اليمن، ولم يعد النظام السعودي يعمل ويتآمر بالخفاء فقط، بل ها هو يجاهر بالعدوان والعداء والرغبة في التدمير. والتحالف السعودي ــ الإسرائيلي لم يعد مسألة تخمينات، بل ها هي ثمراته ــ أو قذائفه وصواريخه ــ تسطّر ارتقاءً في مستوى التحالف الوثيق، لكن هذا التحالف لا يمكنه ان يثني الشعب اليمني عن عزيمته في إسقاط هذه المؤامرة، وسيواصل طريقه للخلاص من تبعات هذا العدوان. ولكن لابد هنا ايضاً من التأكيد على ضرورة دعم هذا الشعب بكل الوسائل المتاحة من قبل القوى المخلصة والخيرة في هذه المنطقة.