الوقت - اعتبر الخبير الإيراني في شؤون غرب آسيا "سعد الله زارعي" اجتماع آستانة لتسوية الأزمة السورية بأنه مثّل إقراراً بقوة واقتدار وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضاف زارعي في مقال صحفي إن اجتماع آستانة الذي وضعت لبناته الأولى في اجتماع موسكو بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا قبل عدّة أسابيع مثّل نوعاً من الابتكار في الجهود الرامية لحل الأزمة السورية سياسياً، لأن أنقرة التي كانت تدعم الجماعات السورية المسلحة المعارضة لم تكن ترضى بالجلوس إلى طاولة مفاوضات أحد طرفيها الحكومة السورية، ولهذا تعد مشاركة أنقرة في اجتماع آستانة بمثابة اعتراف صريح من قبل الحكومة التركية بقوة واقتدار وبقاء الرئيس بشار الأسد على رأس الحكومة في سوريا، كما تدلل مشاركة الجماعات المسلحة السورية في هذا الاجتماع وفي مقدمتها هيئة التنسيق لهذه المعارضة على أنها قد تراجعت عن موقفها السابق تجاه الحكومة السورية.
وأشار زارعي إلى الاجتماعات التي سبقت اجتماع آستانة والتي كانت تعقد بإشراف الأمم المتحدة وتصر على عدم مشاركة الحكومة السورية في هذه المفاوضات، مبيناً أن اجتماع آستانة الذي شاركت فيه الأمم المتحدة وممثل أمريكا قد دلل على أن هذه الأطراف قد قبلت المشاركة في هذا الاجتماع والذي كان الشرط الأساس فيه القبول بالحكومة السورية.
كما أكد زارعي على أن اجتماع آستانة كان ثمرة لانتصارات المقاومة الإسلامية خصوصاً في تحرير مدينة حلب السورية، مبيناً أن هذه الانتصارات تمكنت من دحر "جبهة النصرة" التي تعرف الآن باسم "فتح الشام" والتي كانت تدعم من قبل السعودية وقطر وتركيا باعتراف قادتها.
وشدد زارعي على أن المعارضة السورية قد أدركت تماماً بعد هزيمتها في حلب بأنها لن تتمكن من حسم المعركة لصالحها عسكرياً، ولهذا أذعنت لتغيير موقفها والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأضاف: على الرغم من أن بعض الجماعات المسلحة لم تحضر إلى اجتماع آستانة إلاّ أن مشاركة الأطراف الأخرى في هذا الاجتماع من شأنه أن يضعف معنويات الأطراف غير المشاركة ويوجه الأجواء ضد "جبهة النصرة" في الداخل.
وأعرب زارعي عن اعتقاده بأن الجماعات المعارضة السورية التي شاركت في اجتماع آستانة وعلى الرغم من أنها لم تكن تمثل كافة أطراف المعارضة إلاّ أن موافقتها على مواصلة وقف إطلاق النار في سوريا من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية يمثل في الحقيقة تقدماً واضحاً في مواقف هذه الجماعات ويضعف بدوره من موقف الجماعات التي رفضت المشاركة في اجتماع آستانة.
كما اعتبر زارعي انتصارات القوات السورية وحلفائها لاسيّما القوات الروسية والإيرانية ومحور المقاومة في حلب بأنها قد شقّت صفوف المعارضة السورية، وأجبرت الكثير من أطراف هذه المعارضة على القبول بالحل السياسي ومن ثم المشاركة في اجتماع آستانة.
وأشار زارعي إلى أن مشاركة أنقرة في اجتماع آستانة دلل بوضوح على أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قد تراجع عن موقفه السابق والذي كان يصر فيه على تغيير نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا الأمر تبين بشكل جلي في تصريحات المسؤولين الأتراك ومن بينهم نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة التركية حيث اعترفوا أكثر من مرة بأن سياسة بلادهم تجاه الأزمة السورية لم تكن صحيحة، وقد تمخضت عنها نتائج انعكست سلباً على الأوضاع الداخلية في تركيا.
وأضاف زارعي إن تركيا وعلى الرغم من وجود قرائن وشواهد على مواصلة دعمها للمعارضة السورية إلاّ أنها ستعمد بكل تأكيد على انتهاج سياسة منضبطة، وتتجه أكثر نحو الحل السياسي للأزمة السورية.
وأعرب زارعي كذلك عن اعتقاده بأن قطر والسعودية وعلى الرغم من سعيهما للإيحاء بأنهما غير مشاركتان باجتماع آستانة إلاّ أن الواقع يشير إلى أن قطر وباعتبار نزعتها الاخوانية وعلاقاتها الجيدة مع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا قد شاركت بالاجتماع عن طريق حضور ما يسمى بـ "الجيش الحر " الذي تدعمه الدوحة، كما أن السعودية مثّلها ما يسمى "جيش الاسلام" بقيادة "محمد علوش" في هذا الاجتماع، ولكنها أحجمت عن إعلان هذا الأمر رسمياً خشية من "جبهة النصرة " الحليف الآخر للرياض في سوريا.
وأضاف زارعي بأن المعارضة السورية الحليفة لأمريكا والتي كان لها دور محوري في المفاوضات السابقة وبعد أن أقرت بهزيمتها قد رضيت الآن بدور هامشي في اجتماع آستانة.
وأردف بأن أحد المواضيع المهمة التي تهدد المحادثات الرامية لحل الأزمة السورية يكمن في محاولات الغرب لإعادة هذه المحادثات إلى جنيف بهدف مصادرة نتائج اجتماع آستانة، وهذا ما كشفت عنه تصريحات ممثل فرنسا في الأمم المتحدة " فرانسوا ديلاتر".