الوقت- من يظن أن أمريكا لم تعط الضوء الأخضر للعدوان السعودي على الشعب اليمني هو مخطئ حتماً. ومخطئ أكثر من لا يدرك أن هدف أمريكا من العدوان هذا، هو تقسيم المنطقة، والذي سيكون تقسيم السعودية بدايته. فأمريكا التي لطالما دعمت أنظمة وأسقطتها، لن تتوانى عن الدفع لمزيدٍ من الشرذمة بين الدول في الشرق الأوسط. ولعل العامل المذهبي الذي أتقنت السعودية العمل على أساسه، والتي ستكون أول من يدفع ثمن ذلك، هو ذاته الذي تسعى أمريكا للدفع باتجاهه في الأزمة اليمنية. ولذلك تضغط أمريكا على باكستان الرافضة للدخول في المستنقع اليمني. فماذا في الموقف الباكستاني الرافض لمساندة السعودية في عدوانها على اليمن؟ وماذا يجب أن نعرف لنفهم حقيقة السياسة الأمريكية في المنطقة؟
أولاً: الموقف الباكستاني والضغط الأمريكي
قال رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الاثنين الماضي إن بلاده "ستكثف" جهودها لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في اليمن، بعد أن صوت البرلمان على عدم المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن. وصوت البرلمان الباكستاني بالإجماع يوم الجمعة الفائت على الحياد في النزاع اليمني، رافضاً طلب السعودية إرسال قوات وطائرات وسفن باكستانية للمشاركة في التحالف. وقال شريف في بيان تلاه على التلفزيون إن "باكستان ستكثف جهودها الدبلوماسية خلال الأيام المقبلة بالتشاور مع القيادة السعودية لحل الأزمة". ولا شك أن باكستان وجدت نفسها في موقف مربك حيال اليمن. فهي تقيم علاقات عسكرية ودينية عميقة مع السعودية واستفادت من مساعدات كبيرة من المملكة، لكنها في الوقت ذاته تحفظت على إقحام نفسها في النزاع الذي يمكن أن ينعكس على استقرار البلاد. فالنزاع المذهبي هو حتماً ما قد تؤول له الأمور على اراضيها، وهو الأمر الذي تتخوف منه القيادة السياسية الباكستانية. ولعل حساسية الوضع الديني في باكستان هو ما دفع بأمريكا للضغط عليها، من أجل الرضوخ والدخول في المستنقع اليمني .
ثانياً: كيف يجب الاستفادة من التاريخ لفهم السياسة الأمريكية؟
وهنا لفهم حقيقة السياسة الأمريكية لا بد من معرفة التالي :
يتحدث التاريخ السياسي المعاصر كيف أن معظم السياسين في المنطقة، راهنوا على الدور الأمريكي في سوريا. لكنهم لو قرؤا تجربة العراق، لما احتاجوا لهذه المغامرة التي دفعوا ثمنها باهظاً. فالدرس العراقي لم يقتصر على تدمير الدولة وقتل العباد على مدى سنوات، بل فيه فصل مهم لا ينبغي نسيانه، وهو أن الضوء الأخضر الذي أعطته أمريكا لصدام حسين لغزو الكويت لم يكن إلا ذريعة مخادعة، اتخذتها أمريكا حينها لاحتلال العراق وفرض قواعد اللعبة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط ما بعد الحرب الباردة .
يجب الاستفادة من هذا الدرس في اليمن اليوم، لندرك أن أمريكا تعارض الجميع وتقف مع الجميع في نفس الوقت. فالموضوع أكبر من تلك الذريعة التافهة المتعلقة بإعادة هادي الى الحكم. فمن يرى في دول المنطقة ولا سيما الدول الخليجية دولاً متكاتفة، عليه أن يعيد النظر في قراءته. فالاختلاف القطري السعودي واضحٌ وفي العلن، والحيرة المصرية أصبحت اليوم أوضح، والوقوف التركي على الحياد ومحاولته تبني الحل السياسي ظاهرٌ أيضاً. وهنا نسأل، مع من تقف أمريكا يا ترى؟ والحقيقة هي أن الأمريكي يلعب على الجميع، ويتقن فن إدارة الخلافات. فإن اتفقت هذه الدول على شيءٍ فهو أنها جميعها أداة للأمريكي المنافق .
لذلك فإن أمريكا تساعد على نشوب الصراع بغض النظر عن نتائجه، والتي يمكن لها أن تتكيف معها مهما كانت، وعلى طريقتها البرغماتية. فأمريكا لا تتعامل مع المنطقة وفق استراتيجية واحدة، بل تستفيد من عناصر القوة والضعف في نفس الوقت. ولها عملاء تقسمهم ضمن مراتب في العمالة. فهناك العملاء الرسميون وغير الرسميون، مما يساعدها على اعتماد عدة سياسات في الوقت ذاته .
ولذلك فإن الغموض الذي يلف الموقف الأمريكي ما بين الدعم والتعاون والدعوة إلى الحوار والحل السياسي غموض متعمد ومتكرر اتصفت به دوماً السياسات الأمريكية. فالتردد المتعمد دائماً مقصود لذاته، إذ يساعد واشنطن على التملص من أي التزامات، ويعينها على تغيير المواقف وبسرعة .
إذاً، لا بد من إدراك أن الصراع الناشب في المنطقة هو في صالح أمريكا. فهو في الحقيقة يهدف الى استنزاف خصومها وإرهاق حلفائها في التبعية. والهدف المركزي الأساسي هو إبعاد الكيان الإسرائيلي عن الاستهداف، وإعطائه حقنةً تُريحه لفترة مرحلية لعله يخرج من صراع الوجود المقلق المتكرر. لكن الرهان اليوم على وعي الشعوب والدول يمكن أن يكون أكبر. فالفخ الأمريكي الذي وقعت فيه السعودية، لم تقع فيه باكستان مثلاً. وهنا يأتي السؤال التالي: هل ستخسر أمريكا رهاناتها هذه المرة، بسبب دخول الدول في صراعات تهدد استقرارها، مما يعزز إمكانية اتخاذها قرارات جريئة بوجه أمريكا؟