الوقت- يتكرر الحديث عن وجود علاقات بين الكيان الإسرائيلي وإقليم كردستان العراق، ويفصح مسؤولون في كيان الاحتلال بين الحين والآخر عن دعمهم لقيام دولة كردية وتفكيك العراق وسوريا إلى دويلات بما يخدم مصالح هذا الكيان. فما طبيعة هذه العلاقات، وما مدى تأثيرها على دول الجوار لاسيّما الأمن القومي الإيراني؟
للإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى ما يلي:
لا توجد صيغة رسمية للعلاقات بين الكيان الإسرائيلي وإقليم كردستان العراق، إلاّ أن ثمّة ما يؤكد وجود اتصالات بين الجانبين على مستويات مختلفة. وقد صرح رئيس الإقليم "مسعود بارزاني" ذات مرة بـ "أن إقامة علاقات مع إسرائيل ليست جريمة نظراً لكون العديد من الدول العربية لها علاقات مع هذا الكيان".
وتمتد العلاقة بين الكيان الإسرائيلي وأكراد شمال العراق إلى أواخر ستينات القرن الماضي، وجاءت تطبيقاً لما يسمى بإستراتيجية "حلف الأطراف" التي اعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "ديفد بن غوريون" والتي تقوم على توثيق العلاقات مع أطراف إقليمية وأقليات عرقية تخوض صراعات مع دول إقليمية تؤثر في الصراع مع الكيان الإسرائيلي.
ويشير "نحيك نفوت" النائب الأسبق لرئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" إلى أن هذا الجهاز قد عمل على تدريب وتسليح الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني في ستينات القرن الماضي.
ويقول مسؤولون في المخابرات الإسرائيلية إن التعاون مع أكراد شمال العراق اتخذ شكل التدريب العسكري مقابل مساعدتهم في تهريب اليهود إلى الخارج، وأيضاً في تبادل المعلومات بشأن دول الجوار ومن بينها إيران التي تشترك بحدود طويلة مع إقليم كردستان العراق.
ولا يستغرب المراقبون من إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" دعمه لقيام دولة كردية مستقلة في العراق، ولا يوجد أحد في العالم يبدي حماساً قوياً لفكرة تحويل الإقليم إلى دولة مثل المسؤولين الإسرائيليين الذين يجاهرون بهذا الأمر من خلال تصريحاتهم السياسية والدبلوماسية والدعائية.
وحسب المنطق الإسرائيلي، فإن دولة كردية في شمال العراق ستكون نواة لدولة كردية أكبر يمكن أن تضم لها لاحقاً مناطق التواجد الكردي في شمال وشمال شرق سوريا، وشرق تركيا وغرب وشمال غرب إيران.
وأحد الأسباب التي تدفع النخب الأمنية الإسرائيلية للمجاهرة بحماسها لفكرة إقامة دولة كردية، هو تقديرها أن مثل هذه الدولة ستسهم في محاصرة إيران التي تحرص على دعم الفلسطينيين وفصائلهم المقاومة لاستعادة حقوقهم المغتصبة في الأرض والوطن.
والإستراتيجية التي يتبعها الكيان الإسرائيلي في علاقاته مع كردستان العراق تتجاوز بكثير مسألة المصالح الاقتصادية لاسيّما في مجال النفط، فهي تهدف بشكل خاص إلى توظيف هذه العلاقات لأغراض التجسس على دول الجوار خصوصاً إيران وتحديداً فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
وقد حذّرت طهران مراراً من هذا الأمر، وطالبت المسؤولين في إقليم كردستان العراق بمنع أي محاولة إسرائيلية للاستفادة من أراضي وظروف الإقليم للإساءة للعلاقات الطيبة بين إيران والإقليم.
وفي وقت سابق أكدت صحيفة "الفاينانشل تايمز" البريطانية أن إقليم كردستان مصدر أساسي للكيان الإسرائيلي لسد احتياجاته النفطية، مشيرة إلى أن الإقليم كان قد صدّر نفطه في أوقات مختلفة إلى هذا الكيان عبر ميناء جيهان التركي.
كما تحدثت تقارير إعلامية عن علاقات تجارية بين الطرفين، وسط تواجد عدد من الشركات الإسرائيلية في الإقليم، فيما تفيد الأنباء أن التنسيق بين الجانبين يذهب الى أبعد من الشق التجاري ويتعداه إلى البعدين السياسي والعسكري.
وقد سبق لقيادات أمنية إسرائيلية بينهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق الجنرال "عوزي ديّان" أن تحدثوا عن الدور الذي يمكن أن يلعبه إقليم كردستان العراق في ما أسموه محاصرة إيران وتقليص دورها المحوري في مواجهة كيان الاحتلال، فيما كشفت وسائل إعلام أجنبية أن جهاز "الموساد" اتخذ من "كردستان" منطلقاً لتنفيذ عمليات سريّة ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وهناك شواهد أخرى تدلل على أن كيان الاحتلال قد أقام شبكة من العلاقات مع إقليم كردستان العراق، ووصل الأمر إلى أن يقام مجلس تأبيني للرئيس الإسرائيلي السابق "شمعون بيريز" في مدينة دهوك التابعة للإقليم وأن تدخل القناة الإسرائيلية الثانية إلى معركة إستعادة الموصل لإعداد تقرير عن قوات البيشمركة الكردية التي شاركت في هذه العمليات.
وتقول مصادر غربية إن الإسرائيليين يدخلون إقليم كردستان العراق بجوازات دول أخرى، وقد سبق للعديد من الصحفيين الإسرائيليين أن نشروا تقارير أعدوها في الإقليم بصورة ميدانية.
والعلاقة بين إقليم كردستان العراق والكيان الإسرائيلي يؤكدها أيضاً الباحث الأمريكي "أدوموند جاريب" في كتابه "القضية الكردية في العراق" والذي يشير فيه إلى أن "الموساد" نصب أجهزة تنصت ورصد في الإقليم لجمع معلومات عن العراق والدول المجاورة لاسيّما إيران، وبالإمكان الاستدلال على هذه الحقيقة من التصريحات التي أدلت بها أوساط عراقية رسمية وشبه رسمية.