الوقت- يبدو المشهد الداخلي الإسرائيلي أكثر ضبابيةً. نتنياهو الذي يعيش هواجس تحقيقات الشرطة الإسرائيلية في قضايا الفساد التي ثبتت عليه بعد التسجيلات الصوتيّة الأخيرة، حاول لفت الأنظار عبر الهجوم الجوي على قاعدة عسكرية في مطار المزة بدمشق.
وتؤيد هذه الرؤية العديد من الأطراف السياسيّة الإسرائيلية وأجهزة استخبارات غربية والعديد من المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، وفق موقع "عنيان مركزي" الإسرائيلي الذي أكّد أن "رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يبذل ما بوسعه لإنتاج فضائح ذات طابع قومي بهدف حرف الغضب الشعبي والانتباه عن إخفاقاته والتحقيقات التي تُدار ضده نحو وجهات أخرى خصوصًا تلك ذات الطابع القومي الأمني".
التحقيق أيضاً، طال سارة نتنياهو، عقيلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، للاشتباه بحصول زوجها بنيامين نتنياهو على "منفعة" من رجال أعمال، و لم يصدر إعلان من الشرطة الإسرائيلية بشأن هذا التحقيق، ما يعني أن نتنياهو سيلاقي مصير مشابه لرئيس الدولة السابق موشيه كتساف بالسجن لعدّة سنوات.
كثيرة هي قضايا الفساد في الداخل الإسرائيلي، أكثر من أن تحصى، وليس آخرها تورّط محقق القضايا الجنسية في الشرطة "الإسرائيلية" ألون دماري 32 عاماً بإقامة علاقات جنسية مع ضحايا قاصرات ( 12 قاصرة من أصل 60 حقّق معهن يبلغن 14-17 عام) خلال التحقيق معهن لجمع معلومات وتفاصيل حول اغتصابهن والتحرش بهن، إلا أن دخول نتنياهو في هذا النفق الذي بدأ بقضية عميدي ومرّ بقضية المنازل والهدايا ووصل مؤخراً إلى قضية ملتسن وموزيس يعني انقلاب المشهد السياسي الداخلي رأساً على عقب، الأمر الذي سيجعل السياسة الخارجية الإسرائيلية رهن تأثير قضايا الفساد هذه.
تباين المواقف
أولى بشائر الانقلاب في المشهد السياسي الداخلي هو ما نقلته القناة العاشرة الإسرائيلية عن وزير في حكومة نتنياهو قوله "نشتم رائحة نهاية مرحلة بنيامين نتنياهو، ونحن نستعد لليوم التالي"، وبالتالي فإن غياب نتنياهو عن المشهد السياسي عموماً، وحزب اليكود على وجه الخصوص، يعني أمرين لا ثالث لهما إمّا إعادة تشكيل الحكومة أم إجراء انتخابات جديدة.
وفي حين نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن زعيم حزب "المعسكر الصهيوني" المعارض يتسحاق هرتسوج، بحثه مع وزير المالية وزعيم حزب "كلنا" موشيه كاحلون تشكيل حكومة في حال استقالة نتنياهو، وقد نقلت الصحيفة عن مقربين من هرتسوج قولهم إنه يقبل الانضمام إلى حكومة يترأسها كاحلون وهو قيادي سابق في حزب "الليكود" اليميني، يرجّح وزير الداخلية أرييه درعي (زعيم حزب "شاس"-يميني ديني)، إجراء انتخابات مبكرة في حال اضطرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للاستقالة نتيجة التحقيقات التي تجريها الشرطة معه، لكن صحيفة "يديعوت احرونوت" نقلت عن سياسيين إسرائيليين، لم تحددهم، إنه "في حال استقالة نتنياهو فإن درعي سيكون من بين من سيبدون الاستعداد لاستبداله بدلا من الذهاب إلى انتخابات جديدة".
وفي حال الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد أقل من عام على الانتخابات السابقة التي جرت في مارس/ آذار الماضي وأفرزت أغلبية لليمين في الكنيست المكون من 120، تتوقّع صحف عبرية أن يكون رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد هو البديل المرتقب لرئيس الوزراء نتنياهو، وفق استطلاع أجرته صحيفة "جورزليم بوست الإسرائيلية" في حين خلفه في الترتيب "بينت" رئيس حزب البيت اليهودي، وحل كحلون عن حزب الليكود الذي يتزعّمه نتنياهو في المرتبة الثالثة.
رئيس الوزراء القادم؟
رغم أن خيار الحكومة البديلة هو الأرجح حتّى الساعة، إلأ أن إجراء انتخابات جديدة أمراً قد يحصل، ويرّجحه كثيرون، ما يعني أننا سنكون أمام خريطة سياسيّة إسرائيلية جديدة قد يتزّعمها لبيد، الأوفر حظّاً في استطلاعات الرأي.
لبيد الذي خرج من رحم الإعلام وسطع نجمه من خلال عمله كمقدم برنامج "أستوديو الجمعة" الإخباري في القناة الثانية ومقاله الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وأيضا من خلال 11 كتابا ألفها ونشرها، بينها عدة روايات، يسوّق لنفسه أنه جاء إلى الحلبة السياسية من رحم الاحتجاجات الاجتماعية، التي شهدها الكيان الإسرائيلي في العام 2011.
وفي حال فوز لبيد برئاسة الحكومة، فهذا يعني أنّه سيكون على مواجهة مع ممثلي الأحزاب الدينية في البرلمان الإسرائيلي، باعتبار أنه ابن السياسي المعروف يويسي"تومي" لبيد، المعروف بأفكاره ومواقفه العلمانية، وبالتالي سيكون، وفق يمينيين، نسخة طبق الأصل لأبيه، أي خصما لدودا لمواقفهم الدينية المتحفظة. ولكن يبدو أن اليمين الإسرائيلي لن يرضى بذلك حيث يتبلور سيناريو جديد في الخفاء هو الوحدة بين أحزاب اليمين الإسرائيلي من أجل الفوز على يائير لبيد، فقد نقلت القناة الثانية الإسرائيلية، عن مصادر، قولها: هناك إمكانية لوحدة حزب "البيت اليهودي" وحزب "إسرائيل بيتنا" مع "حزب الليكود"، أو اثنين من هذه الأحزاب على الأقل من أجل الحفاظ على السلطة بأيديهم.
اليوم، ورغم اختلاف رجال السياسة في الكيان الإسرائيلي على الحل الذي يتنوّع ما بين حكومة بديلة، أو انتخابات مبكرة، مع العلم أن القناة الإسرائيلية الثانية أشارت إلى أن الأحزاب السياسية الإسرائيلية ليست متشجعة للذهاب إلى انتخابات جديدة، إلا أن الثابت الوحيد أن مرحلة نتنياهو فعلاً قاربت على نهايتها، فاستعدوا لمرحلة "ما بعد" نتنياهو.