الوقت- حول التصعيد السعودي اتجاه مصر و رأي الإعلام في ذلك، و العلاقة بين مصر وإيران، والتساؤلات حول إمكانيتها؟ وإن كانت ستعتبر رداً على التصعيد السعودي؟ وما آثارها بين الإيجابي والسلبي، كان لنا حوار مع الباحث المصري وأستاذ الدراسات الإيرانية والخليجية بجامعة طنطا ورئيس قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب بالجامعة الدكتور مدحت حماد.
الوقت: مع تأزم العلاقة المصرية السعودية والإجراءات التصعيدية للمملكة بحق مصر شهدنا تصاعداً في لهجة الإعلام المصري فرأينا مقالات وعناوين جرئية كـ"جلالة الخائن" وغيرها تزامناً مع الحديث عن إيقاف المملكة للمساعدات عن مصر نهائياً، فما رأيكم بمستجدات التوتر في العلاقة بين البلدين وما مستقبلها؟
حماد: "أولاً يجب أن نلفت أن التوتر بين مصر والسعودية سببه الأول هو المشكلة السورية، لأن لمصر منظور مختلف تماماً حول هذا الموضوع عن ما تراه السعودية، فالقيادة السياسية في مصر ترى أن الحل السياسي هو الأصوب، إنطلاقاً من أن اللجوء للآلة العسكرية لحل الأزمة في سوريا إضافة للمطالبة برحيل بشار الأسد كما دأب على فعله الرئيس المعزول محمد مرسي سيؤدي إلى تفتيت وتجزئة سوريا وسيصيب سوريا بنفس الشيء الذي حدث في اليمن وليبيا، وهذا لن يجلب الإستقرار لمنطقة الشرق الأوسط لأنه حتماً بإستدامة الصراع واللجوء للحل العسكري في سوريا أثر سلبي حتمي على المنطقة ككل من زعزة للإستقرار وبقاء الإنقسامات، وهذا عكس ما تريده السعودية هناك، فهي تبدو في حالة ثأرية مباشرة مع الدكتور بشار الأسد شخصياً، إذ أنها ترى أن بشار الأسد يؤثر مباشرة على النفوذ السعودي في المشرق العربي وأن وجوده يأخذ من مكانة السعودية هناك أيضاً، لذا بقاء بشار الأسد بعد خمس سنوات من المطالبة السعودية برحيله وإسقاطه يعد نوعاً من الهزيمة السياسية للسعودية في الشرق الأوسط."
وتابع قائلاً: "وفيما يخص التصعيد ضد مصر، أقول أنه إذا ما أصرت السعودية على الإستمرار في سياسة التصعيد ضد مصر فإن هذا سيأخذ العلاقات بين البلدين إلى إنتكاسة خطيرة جداً وهذه الإنتكاسة ستعقّد الموقف برمته في الشرق الأوسط بإعتبار أن الدولتين تطلان على البحر الأحمر وهما دولتان كبيرتان في العالم العربي وهما الدولتان اللتان لا تزالان تحتفظان بقدرة إستراتيجة شاملة وهما الأكثر قدرة في التأثير على باقي الدول العربية لذا أي خلاف بينهما سيؤثر سلباً على المنطقة ككل.
ومن أهم أثار هذا التوتر لو استمر التصعيد تأديته إلى توتر العلاقات المصرية الخليجية بشكل عام، على الرغم من أن هناك مناورات عسكرية مصرية الآن تتم في الخليج، وقد يؤدي هذا الأمر إلى تمرد الكثير من دول مجلس التعاون الخليجي ضد السعودية نفسها، إذ أن الإمارات لن تسلك مسلك السعودية فيما يخص مقاطعة مصر، لأن الإمارات وعمان حتى في كامب ديفيد كانتا ضد التوجه الخليجي برمته فيما يخص مصر، وبالتالي هذان البلدان سيكونان خارج سيطرة المملكة العربية السعودية برأيي، كما أنه قد تنضم الكويت إلى هذين الدولتين لتقف بجانب مصر، لذا قد تنقسم دول مجلس التعاون الخليجي."
وأضاف: "أعتقد أنه هناك لبس أو إندفاع معيّن بالإضافة لحسابات خاصة فيما لو صح ما يشاع عنه مؤخراً من تصعيدات سعودية اتجاه مصر، وبالتالي سيكون ما يحصل بمثابة وسيلة ضغط على مصر بهدف تطويعها أمام السعودية فيما يخص سوريا."
الوقت: بعض الإعلام المصري ومنهم كتّاب في اليوم السابع غمزوا من باب ضرورة عودة تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية، فهل تعتقد أنه يمكن لمصر أن تلجأ لهذا الخيار أو غيره من الخيارات كرادع لإستمرار التصعيد السعودي في وجهها؟
حماد: " أولاً على المستوى الشخصي أنا من المطالبين بحتميّة وضرورة أن تجتمع أكبر أربع قوى إقليمية إجتماعاً مباشراً، وأقصد كل من السعودية ومصر وإيران وتركيا، كنت ولا زلت أطالب بحتمية وضرورة وأهمية أن تجلس هذه الدول معاً على طاولة مفاوضات واحدة لأن بيدها الحل لكل مشاكل الإقليم، ولأن عدم التوافق بينها يقف في خلفية المشهد برمته، فعدم توافق مصر أو السعودية مع إيران إنعكس في اليمن وفي دول الخليج، وعدم توافق السعودية وإيران إنعكس في اليمن وسوريا، وعدم توافق مصر وتركيا إنعكس سلباً في سوريا والعراق، لذا هناك ضرورة فالوضع الحالي يوجب على هذه القوى الإجتماع.
ثانياً ومن وجهة نظري أرى أنه عدم وجود علاقات بين مصر وإيران يشكل نقطة سلبية ضد الدولتين على السواء، وعودة العلاقة بينهم في صالح كلا الدولتين، وكما أنه لبعض دول مجلس التعاون الخليجي علاقات تعاون مباشرة مع إيران في كافة المجالات، أرى أنه لا مانع بل اعتقد بضرورة إقامة هكذا علاقات أيضاً بين مصر وإيران، وهذا سيؤدي إلى تدعيم الإستقرار في منطقة المشرق العربي والشرق الأوسط ككل خصوصاً أن الدولتين اسلامیتین کبیرتین و لهما دور ریادي، وأنا أعلن وأدعم هذا الرأي دائما في كافة المناسبات.
ثالثاً، أؤكد أن عودة العلاقة بين إيران ومصر لا يجب أن تكون على حساب العلاقات الإيرانية الخليجية أو المصرية الخليجية، فليس بالضرورة أن تتقلص هذه العلاقات بين هذه الأطراف بسبب عودة العلاقة مع إيران، إذ أن الضرورة توجب على الجميع التعاون والتعامل فيما بينها لإيجاد حلول لوقف بحار الدماء التي تشهدها المنطقة."
وتابع قائلاً: " فيما يخص الخيارات المصرية للرد على التصعيد السعودي، فلتقل الصحف ما تقول وتروّج لما تريد، فمصر والقيادة المصرية مدركة جيداً لخطورة التصعيد ضد السعودية، إذ أن هذا الأمر سينعكس سلباً على الكثير من ملفات المنطقة وهذا طبعاً ما لا تريده مصر، وأرى أن مصر ستجد بدائل للسعودية فيما يخص الجوانب الإقتصادية وتحديداً النفط فمنذ أيام ليبيا أعلنت أنها ستوّرد لمصر 2 مليون برميل نفط يومياً وربما تكون إيران يوماً ما بديلاً إقتصاديا آخر أيضاً وهذا الأمر لا يجب أن يضير بالسعودية، إذ أنه لا يمكن لمصر أن أن تموت إرضاءاً للسعودية والعكس صحيح.
وأضاف: "لذا أعتبر أن مصر لن تتسرع وستتعامل مع مسألة التصعيد السعودي بحكمة والخيارات ستكون محسوبة جيداً، لأن دول مجلس التعاون الخيلجي تعاني من فوبيا إسمها التقارب بين مصر وإيران، الأمر الذي بإعتقادي يقف كسبب من أسباب عدم عودة العلاقات بين مصر وإيران. رغم أنني أعتقد أن عودة العلاقة بين إيران ومصر ستكون سبباً في طمأنة دول الخليجیة وربما مصر تكونن واسطة للتقارب وحل الخلافات بين دول الخليجیة وإيران وسيكون لها دور إيجابي في هذه المسألة."
وتابع: "أنا سبق وذكرت في مناسبات عدة حول مسألة العلاقة بين مصر وإيران أننا كنا أمام فرصة لا تعوض إبان ثورة 30 يونيو التي شهدت أسوء العلاقات بين مصر وأمريكا من طرف وبين مصر والإتحاد الاوروبي من طرف آخر، ولكن اليد لم تمد وقتها للمصريين وذهبت الفرصة سدى، إلا أننا اليوم أمام فرصة جديدة في هذه الأحداث التي نشهدها، وأقدّر أنه على إيران مد اليد من جديد وتغيير رأيها فيما يخص القيادة المصرية وعدم إعتبارها نظاماً قادماً من المؤسسة العسكرية، لذا أظن أن أي مبادرة في هذا السياق سيدفع مصر لمراجعة موقفها سريعاً فيما يخص التقارب مع إيران، وهذا سينعكس بشكل إيجابي كبير على الأزمة في سوريا بتكافل جهود هذين البلدين المؤثرين."