الوقت- يتوالى الخلاف المصري السعودي فصولاً حيث تكشف التطورّات الأخيرة حجم الهوة القائمة بين البلدين. آخر فصول الخلاف تمثّلت في الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية سعودية على أراضي جيبوتي.
ورغم أن القاعدة العسكرية تتزامن مع تطور لافت للعلاقة بين السعودية وجيبوتي في شتى المجالات، إلا أنّها أثارت غضب القاهرة "على اعتبار أن تلك المناطق محسوبة على نفوذ دبلوماسي مصري، يقع في نطاق أمنها القومي، باعتباره عمقاً استراتيجياً مصرياً في أقصى الجنوب"، حسب مصادر مصرية.
خلاف قديم
لا يمكن فصل القاعدة العسكرية عن الخلاف القائم بين البلدين منذ فترة وعلى أكثر من صعيد، فقد بدأ الخلاف على قضيّة جزيرتي تيران وصنافير، ليرتفع منسوبه بسبب موقف مصر من القضية السورية، وتصويت مندوبها في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي الذي وجدته السعودية ضد وجهة نظرها.
لم يتوقّف الخلاف عن حدود سوريا، بل عمدت شركة النفط السعودية "أرامكو" إلى وقف تصدير شحناتها إلى مصر، الأمر الذي دفع بالأخيرة للبحث عن بديل نفطي تزامن مع تراشق إعلامي يكشف حجم التباين بين الموقفين، وجاء "نتيجة تراكم الكثير من اﻷمور"، وفق ما أوضخ مركز أبحاث "تشاتام هاوس" البريطاني في وقت سابق.
بعدها، حاولت العديد من الدول الخليجية، الإمارات والكويت، الدخول على خطّ المواجهة ومعاجلة الخلاف، إلا أنّها فشلت في ذلك بسبب رفض كلا الطرفين، ليتم الحديث عن توجيه صفعة من الرئيس السيسي إلى الملك سلمان إثر مغادرته للإمارات قُبيل ساعات من زيارة العاهل السعودي للإمارات في مستهل جولة خليجية، مقابل الحديث عن صفعة سعودية لمصر عبر تأجيل الملك سلمان لزيارته حتّى مغادرة السيسي، لكن الخلاف في "الصفعة"، لا يفسد في "الخلاف" قضيّة.
الخلاف الجديد
الرئاسة المصرية سارعت بتكليف وزير خارجيتها سامح شكري بعمل جولة في تلك الدول الأفريقيّة، لمعرفة كافة التفاصيل الكاملة لتلك القاعدة العسكرية، ولكن ما هي أهدف السعودية من هذه القاعدة العسكرية؟ ولماذا غضبت القاهرة من خطوة الرياض؟ وما هو ردّ فعل القاهرة المحتمل على ذلك؟
بالتأكيد، لم تكن القاعدة العسكرية من أجل عيون الملك سلمان، أو منطلقاً للتوجّه نحو موسم الحج، بل وعدت السعودية جيبوتي بمنحها قروض بملايين الدولارات. وأما فيما يتعلّق، بالأسباب والأهداف، التي تقف خلف القاعدة العسكرية، استخدمت السعودية الذريعة المعلّبة التي تحضر عندما يُراد تبرير أي خطوة عدائيّة، أقصد هنا إيران التي اتخذتها السعودية ذريعة، موضحةً أن بناء القاعدة العسكرية في جيبوتي يهدف للحد من التمدد الإيراني.
عوداً على بدء، وجدت مصر في الخطوة السعودية الأخيرة تحدّياً في عمقها الإستراتيجي، ويبدو أنّه مع مرور الوقت تتزايد حدة الأزمة وتتصاعد نحو منعطف خطير، جعل من كل طرف يبني قراراه و توجهاته السياسية، وحاليّاً العسكرية، دون أن يلتفت للآخر.
قد يقول قائل أنّه يحقّ للسعودية اللعب حيث تريد، ولكن هذا التحرّك يتعارض مع قواعد وأعراف متعارف عليها بين الدول العربية، فهل ترضى السعودية بإنشاء قواعد عسكرية مصريّة في الإمارات أو الكويت أو اليمن؟
لم يقتصر دخول السعودية على نطاق مصر الاستراتيجي في جيبوتي بل شرعت الرياض بلقاءات بين مسئولين سعوديين ونظائرهم من أثيوبيا وجيبوتي والصومال وإرتيريا، دون التشاور مع القاهرة أو إدخالها في تلك المباحثات واللقاءات.
بعد اتضاح الأهداف السعودية المزعومة، والتي لا تخلو من ورقة ضغط جديدة على القاهرة لتحجيم دورها عبر النفوذ السعودي إلى ملعبها الاستراتيجي الذي يمتلك تأثير مباشر على قضية المياه وحوض النيل وممر قناة السويس، يبقى السؤال الأهم قائماً: ما هو ردّ فعل القاهرة المحتمل على ذلك؟
قد تبدأ مصر بتطويق الأمر دبلوماسيّاً عبر نفوذها في القارّة السمراء والذي تجاهلته السعودية، ولكن بوسع القاهرة التلويح بالعديد من الخطوط التي قد تثير جنون الرياض منها:
أولاً: الانسحاب بشكل أكبر نحو سوريا عبر مستشارين عسكريين، وربّما إعادة فتح السفارات بين البلدين، الأمر الذي قد يسري على بلدان عربيّة أخرى.
ثانياً: تعديل موقفها، ولو بشكل جزئي في اليمن، بما يتلاءم مع مصالح الشعب اليمني. وفي حال حصول هكذا خطوة، رغم أنّه أمر مستبعد، ستكون القشّة التي ستقصم ظهر العلاقات بين البلدين.
البعض ذهب بعيداً في الخلاف المصري السعودية عبر الحديث عن مشروع سعودي مع بعض الدول الإقليمية لضرب الساحة المصرية، بدءاً من الإقتصاد وصولاً وإلى تكثيف الأعمال الارهابية في مصر، والمس باستقرار ساحتها. وقد أشار ههذا البعض إلى تورّط سعودي بتفجير الكاتدرائية بالأمس.فقد نقلت صحيفة المنـار الفلسطينية عن مصادر خاصّة أن لقاء استخباريا جمع ضباطا سعوديين وقطريين وأتراك لبحث خطط تصعيد أعمال الارهاب في مصر وزيادة الدعم المالي والتسليحي للمجموعات الارهابية، واستغلال أكبر لمنطقة الحدود الليبية المصرية لضخ السلاح والمرتزقة الى سيناء وتعزيز المجموعات في تلك المنطقة خاصة بعد الضربات المؤلمة التي تلقتها على أيدي الجيش المصري. كذلك، نقلت العديد من التقارير الإعلامية، عن مصادر سعودية قولها إن الرياض تسعى إلى رفع اسم جماعة الإخوان المسلمين، من قوائم المنظمات الإرهابية، بالإضافة إلى إنهاء تجميد ملايين الدولارات الخاصة بهم وإزالة أي عقبات في تاريخهم.
اليوم، ورغم أن توتر العلاقات المصرية السعودية أعمق من المتصور، إلا أنه يبدو أن هناك قناعة، أو قرار، لدى البلدين بعدم الذهاب بعيداً في الخلاف، لاسيّما مع فقدان السعودية للحليف الأمريكي، وحاجة مصر للدعم الاقتصادي الخليجي، والسعودي.
يبدو أن الكباش المصري السعودي خرج من إطاره العربي ليصل إلى أفريقياً، ولكن رغم حجم الخلاف إلاّ أن المعركة حتى الساعة لا زالت في مرحلة عضّ الأصابع، أو كسر الهيبة، إلا أنّها قد تتحوّل بعد فترة إلى"كسر عظم"، خاصّة إذا ما تبين لمصر تشكيل محور سعودي قطري تركي لمواجتها، ولكن لا نستغرب تراجع السعودية بسبب عجزها الإقليمي، هذا ما لمسناه من حادث الكاتدرائية التي استغلتها السعودية للتهدئه مع القاهرة، وفق الإعلام المصري.