الوقت - يمثل مجلس تعاون الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي الذي يضم ست دول هي "الكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات المتحدة وسلطنة عمان" تحالفاً إقليمياً يرمي إلى تحقيق أهداف مشتركة في مختلف المجالات السياسية والتجارية والاجتماعية والأمنية.
وتم تشكيل هذا المجلس عام 1981 لمواجهة ما يسمى بـ "الخطر الإيراني". ورغم محاولة تسويق المجلس على أنه الصيغة الأقرب للاتحاد الأوروبي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً إلاّ أنه لم يحقق معظم أهدافه، وأبرزها العملة الموحدة، وجواز السفر الموحد، والأمن المشترك، والجيش الموحد، والبنك المركزي الموحد، بسبب الخلافات العميقة بين أعضائه والتأثيرات الخارجية التي حالت دون ذلك حتى الآن.
وقد حاولت السعودية مراراً وبطرق مختلفة إحكام سيطرتها على مجلس التعاون إلاّ أنها واجهت معارضة من قبل بعض أعضائه لاسيّما من قبل الكويت وسلطنة عمان خصوصاً وأن الأخيرة قد انتهجت سياسة مستقلة عن باقي دول المجلس وقد ظهر ذلك جلياً في تطوير علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران في مختلف المجالات.
كما لعبت سلطنة عمان دوراً متميزاً في إنجاح المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة (5+1) وحافظت على علاقات متوازنة مع سوريا وأبقت سفارتها مفتوحة في دمشق خلافاً لمواقف باقي دول مجلس التعاون حيال الأزمة السورية. كما رفضت الوقوف إلى جانب السعودية في عدوانها على اليمن رغم الضغوط التي تعرضت لها من قبل الرياض في هذا المجال.
والتغريدات التي وردت على حساب نائب رئيس مجلس الشورى العماني الأسبق "اسحق سالم السيابي" التي قال فيها إنه يتمنى إجراء استفتاء شعبي في دول مجلس التعاون كما جرى في بريطانيا حول مستقبل هذا المجلس أثارت العديد من علامات الاستفهام، خصوصاً عندما حصر هذا الاستفتاء حول مدى تحقيق المجلس لأهدافه في ظل اختلاف السياسات الاقتصادية والأمنية وغيرها.
وهناك خلافات أخرى تحول دون تشكيل الاتحاد بين دول مجلس التعاون يمكن إجمالها بما يلي:
- انعدام الرغبة لدى معظم هذه الدول بتشكيل الاتحاد لخشيتها من هيمنة السعودية على مقدراتها في مختلف المجالات لاسيّما السياسية والعسكرية.
ففي عام 2011 سعت السعودية لإقناع دول المجلس بتطوير مشروع "المجلس" إلى "اتحاد" ترتقي فيه الصورة إلى مشهد تكون فيه للجميع هوية واحدة وقيادة مركزية واحدة.
ولعل الهاجس الذي راود السعودية في تلك الفترة مرده تداعيات كثيرة في المنطقة كالثورات الشعبية التي شهدتها العديد من الدول العربية لاسيّما تونس وليبيا ومصر والتي عرفت باسم "الربيع العربي"، وكذلك تطورات الموقف في البحرين وتدخل ما يعرف بـ "قوات درع الجزيرة" لقمع الثورة الشعبية في هذا البلد.
- النزاعات الحدودية؛ فمثلاً السعودية لديها الآن مشاكل في هذا المجال مع معظم دول المجلس، من بينها الخلاف مع الكويت بشأن حقلي "الوفرة" و"الخفجي" للنفط والغاز في المنطقة المحايدة، وكذلك مع الإمارات بشأن منطقتي "الشيبة" و"خور العيديد"، ومع البحرين بشأن حقل "السبلة" وكمية إنتاجه، أمّا الخلافات القطرية - السعودية فهي معروفة، ولازالت كالنار تحت الرماد.
- الخلافات السياسية بين بعض دول المجلس بشأن تطورات المنطقة ومن بينها ما يتعلق بالموقف من حركة الإخوان المسلمين وأثر ذلك على العلاقات مع الدول الأخرى لاسيّما مصر، ناهيك عن تحركات سياسية هنا وهناك ذات امتدادات خارجية ظهرت في بعض دول المجلس كالحملة التي تشنها دولة الإمارات على جماعة الإخوان والتي اكتسبت اهتماماً واسع النطاق منذ عام 2012، وأن بقاء الأمر على هذا المنوال ليس مطلوباً بالنسبة لمآلاته المستقبلية، خاصة وأن دول المجلس لا يمكنها مجاراة هذا الوضع طويلاً.
- الهاجس الأمني الذي يرتبط بعوامل كثيرة، بينها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فواقع الحال المضطرب جعل دول المجلس في أغلب أوقاتها تتخذ إجراءات مختلفة في هذا المجال من حيث الشكل والمضمون، وهو ما انعكس أيضاً على الواقع الأمني لدول المجلس، وكل من يذهب أو يقيم في هذه الدول يستشعر هذا الموضوع وحساسيته هناك.
وتجدر الإشارة إلى أن فشل السعودية في تحقيق أهدافها في المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا ولبنان واليمن قد انعكس سلباً على مكانتها بين دول مجلس التعاون، وأدى ذلك بالتالي إلى أن ترفض هذه الدول الرضوخ إلى سياسة الرياض التي تسعى إلى الهيمنة على مقدرات المجلس رغم محاولاتها المتكررة لتحقيق ذلك باعتبار أنها الأكبر من حيث المساحة الجغرافية، بالإضافة إلى وجود الأماكن المقدسة على أراضيها خصوصاً مكة المكرمة والمدينة المنورة، وامتلاكها أكبر احتياطي نفطي بين هذه الدول.
كما أن اعتماد دول المجلس على الحماية الأمريكية والغربية عموماً حدّ من قدرتها على اتخاذ القرار الذي يمكنها من تحقيق الاتحاد عبر آلية تعتمد على مشاركة كافة الأعضاء في مؤسسات وهيئات الاتحاد وفق صيغ قانونية ملزمة للجميع.
في الختام ينبغي التأكيد على أنه ورغم إلحاح وسعي السعودية لحسم موضوع اتحاد مجلس التعاون، فإن عوامل كثيرة أدت إلى عدم تحقق هذا الهدف بسبب عدم موافقة بعض الدول لاسيّما سلطنة عمان وتلويحها بالانسحاب إذا طرح هذا الموضوع في قمم المجلس.