الوقت - شهد الأسبوع الماضي ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة التصعيد السياسي والكلامي الأمريكي في الشأن السوري، فبعد أن أقر مجلس النواب الأمريكي عقوبات جديدة على النظام السوري والدول الداعمة له بما فيها إيران وروسيا، حذرت واشنطن من خلال بيان شديد اللهجة موسكو من مغبة التصعيد العسكري في مناطق شرق حلب. أما آخر ما كان في جعبة الإدارة الأمريكية تجاه القضية السورية فهو إدراج أسماء 12 ضابطاً سورياً على لائحة العقوبات، واتهامهم بشن هجمات على أهداف مدنية وتعذيب معارضين، وهو ما رفضته موسكو وقالت إن إثباته يحتاج إلى آليات قانونية.
واتهمت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنتا باور أمس الإثنين أمام مجلس الأمن الدولي 12 عميداً وعقيداً سورياً بالاسم بأنّهم أمروا بشنّ هجمات على "أهداف مدنية أو بتعذيب معارضين". متوعدة بملاحقتهم ومحاسبتهم كمجرمي حرب. وكان بين الأسماء التي ذكرتها باور، اللواء أديب سلامة والعميد جودت مواس واللواء طاهر خليل واللواء جميل حسن واللواء رفيق شحادة وسهيل الحسن (المعروف بالنمر) إضافة الى خمسة قادة الوية وعقيد.
لاشك أن كلمة السر في هذا التصعيد الأمريكي الجديد الذي وصفته وسائل الاعلام بـ "غير المألوف"، يكمن في التطورات الميدانية لمدينة حلب والتي تميل بوضوح لصالح النظام السوري وحلفائه، حيث تشير جميع القرائن أن مسألة سيطرة الجيش السوري على كامل المدينة واستعادة القسم الشرقي منها بات مسألة وقت فقط، وذلك في ظل حالة التقهقر التي تسود الجماعات المسلحة سواء التي يحاصرها الجيش السوري داخل الأحياء الشرقية، أو تلك التي تحاول فك الحصار عنها من جهة إدلب.
فالمعركة التي أطلقها المسلحون تحت مسمى "معركة حلب الكبرى"، تحولت إلى هزيمة كبرى بعد فشل غزوتي "ابراهيم اليوسف" و "أبو عمر سراقب"، في كسر الحصار عن المسلحين في الأحياء الشرقية، فضلاً عن السيطرة على كامل المدينة –كما أعلنوا- بل استطاع الجيش السوري وحلفائه استرداد كامل النقاط التي سيطر عليها المسلحون خلال "الغزوتين"، بل والتقدم تجاه نقاط جديدة، ولم تحصد الفصائل التي بلغ عديدها أكثر من 20 ألف، سوى مئات القتلى والجرحى بينهم مسؤولون ميدانيون وعسكريون.
لا يفوتنا أن نذكر أن المسلحين عوّلوا أيضاً على تقدم للجماعات المسلحة المدعومة من تركيا نحو مدينة الباب، في الريف الشمالي، ومن ثم التوجه نحو طريق الكاستيلو لتحقيق تغيير في خارطة التوزانات في معركة حلب، إلا أن التعزيزات العسكرية الكبيرة التي استقدمها الجيش السوري إلى جبهة الباب، والمقاومة الكردية في المنطقة والرسائل الروسية التي تلقفتها أنقرة جيداً، كانت كفيلة لدفع تركيا لإعادة حساباتها.
وفي دلالة على حالة الانهيار التي وصل إليها المسلحون في حلب، عمدت هذه الجماعات إلى استخدام قذائف تحتوي غازات سامة، استهدفت نقاط الجيش السوري في كل من مخيم النيرب شمال شرق حلب، وحي 1070 شقة غرب المدينة، الأمر الذي يكشف عن حالة اليأس التي تعتري المسلحين والدول الداعمة لهم من امكانية مواجهة الجيش السوري ميدانياً، وهذا ما يفسر حالة التصعيد الكلامي والسياسي والاعلامي للدول الداعمة للمسلحين وعلى رأسهم أمريكا.
وشهدت مدينة حلب خلال الأيام القليلة الماضية تقدماً كبيراً لقوات الجيش السوري وحلفائه داخل الأحياء الشرقية على ثلاث محاور، شرقاً من ناحية "الأرض الحمرا" و "جبل بدرو" و "الحيدرية"، وجنوباً عند محور "الشيخ سعيد" و "عزيزة"، وشمالاً من "دوار الجندول" و "بعيدين" و "مساكن هنانو"، تمت خلاله السيطرة على تلة الزهور والمقبرة الاسلامية ودوار بعيدين وأجراء من مساكن هنانو وسكن المعصرانية.
وتفيد الأنباء أن حالة من الاضطراب وتبادل الاتهامات بدأت تسود بين الفصائل المسلحة شرق حلب، وعن قيام السكان بمظاهرات ضد المسلحين نتيجة عدم السماح للمدنيين بالخروج للمعابر، وإحتكار المواد الغذائية والمساعدات، في حين تمكنت بضع عوائل من الخروج من الاحياء الشرقية لحلب خلال اليومين الماضيين، وهو ما وضع المسلحين والدول الداعمة لهم أمام ضغوط متزايدة.
في ظل هذه الظروف كان من الطبيعي أن تلجأ أمريكا تحت ضغط من حلفائها الإقليميين لرفع وتيرة تصريحاتها السياسية، بالتزامن مع حملة اعلامية تشنها القنوات التابعة لهم ضد النظام السوري وانجازاته، وقد ترافق التصعيد الكلامي الأمريكي، مع مقترحات ملحة للهدن من قبل الأمم المتحدة، تجاوبت معها دمشق إلى حد كبير، حيث امتنعت الطائرات السورية والروسية عن تنفيذ أي هجمات على مواقع المسلحين داخل الأحياء الشرقية خلال الشهر الماضي، كما أعلنت الحكومة السورية استمرار فتح المعابر لخروج المدنيين، واعطاء فرصة للمسلحين للخروج من المدينة، وتسليم السلاح مقابل العفو، إلا أن المسلحين على ما يبدوا ما زالوا يراهنون على العوامل الاقليمية والدولية لإنقاذهم، وهنا جاءت مبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الأخيرة القاضية بمنح المسلحين إدارة ذاتية شرق حلب بعد إخراج جبهة النصرة، وهو ما رفضته الدولة السورية.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيد من التصعيد السياسي والاعلامي من قبل أمريكا وبقية الدول الداعمة للمسلحين، التي لن تتقبل بسهولة فكرة استعادة النظام السوري لمدينة حلب، التي تمثل بيضة القبان في الصراع السوري، وينهي كل أمل للمسلحين للسيطرة على المدينة الاستراتيجية واتخاذها عاصمة لهم، مما يمهد لحسم الصراع لصالح النظام السوري وحلفائه بعد 6 سنوات من الحرب الشعواء على سوريا.