الوقت- منذ ثلاثة عقود ونصف، يتمتع الكيان الإسرائيلي بتعاونٌ استراتيجي، أمني، سياسي وإقتصادي مع أمريكا. لكن ما يمكن وصفه من توافق بين الطرفين على تبادل الأدوار، لا بد أنه تضرر بعد خطوات نتنياهو المجنونة. فالرجل الذي سعى قبيل إنتخابات الكيان الإسرائيلي الأخيرة والتي فاز بها، الى تأمين مصالحه الانتخابية، أدخل نفسه في صراعٍ حرج مع الرئيس الأمريكي. ولكن الحقيقة الأهم من ذلك، هي أن إيران بتعاظم دورها كانت السبب في إشعال المشاكل الداخلية الإسرائيلية من جهة، والمشاكل الداخلية الأمريكية من جهة أخرى، بل كانت السبب في التراجع الحاصل في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. وإن كان بعضها لا يتعدى المشاكل الشكلية، لأن أمن الكيان الإسرائيلي، ما يزال الهدف الأساسي لأمريكا.
فنتنياهو الذي لم تكن علاقته جيدة بالرئيس الأمريكي أوباما، مصرٌ على إحراج الأخير في الملعب الأمريكي. وهو الذي عمل على منع وصوله في الإنتخابات الماضية، واليوم يحاول تحريض الكابيتول عليه. محاولاً دعم معارضيه السياسيين لتشويش خطواته حيال ايران. محاولاً تقديم نفسه بأنه المنقذ لأمن الكيان الإسرائيلي.
وقد لا يكون الرجل مخطئاً تجاه رأيه حول إيران. فإيران التي يتعاظم دورها أكدت عبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، أن زيادة احتمال التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد أثارت بشدة حفيظة اللوبي الصهيوني وأسفرت عن تحركاته الانفعالية. وقال بروجردي في تصريح له مؤخراً أنه "مع انضمام وزير الطاقة الأمريكي ارنست مونيز والإستفادة من اللغة المنطقية والفنية خلال المفاوضات النووية، فإن الصهاينة انتابهم القلق وتحركت اللوبيات الصهيونية في الكونغرس الأمريكي بهدف وضع العراقيل أمامها". ومما قد يكون زاد في القلق الإسرائيلي، الحقيقة التي أوضحها بروجردي، والتي تقول أنه وفقاً للأعراف والقوانين الدولية فإن أي توافق نهائي يتم التوصل إليه بين الجانبين يتمتع بهيكلية دولية رسمية، ومن المقرر في حال تم التوصل إلى اتفاق أن يقوم مجلس الأمن الدولي بتأييده في إطار قرار.
ولا شك أن الجميع يعرف أن الهواجس الصهيونية تبيَّنت من خلال الرسالة التي وجهها 47 عضواً في الكونغرس ودخول 250 نائباً على هذا الخط، مما أظهر ذروة هاجس الإسرائيليين واللوبي الصهيوني من التوصل لاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي.
وفي ضوء ما تقدم من معطيات هنا لا بد من الإشارة الى الدلائل والنتائج التالية:
- فشلت الصهيونية العالمية في مشروع الترويج لمخطط التخويف من إيران. بل لم تجد أمامها سوى الرضوخ لحقيقة التقدم النووي الذي أحرزته إيران. فالنهايات التقريبية للمواضيع التفاوضية، تشير الى أنه لم يبق على الطرف الآخر إلا الخضوع لمنطق إيران وقراراتها السياسية.
- نجح الطرف الإيراني في إثبات حضوره في المفاوضات، من خلال الكوادر التخصصية لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية. مما أدى الى سلب الذرائع من الأطراف الغربية ولا سيما أمريكا.
- إستطاعت إيران من خلال استخدام الحنكة الدبلوماسية في التعاطي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إزالة الشبهات والرد على أسئلة الوكالة. مما أدى الى منع الأسباب التي قد تبرر الضغط السياسي على إيران، حيث تم الكشف عن الأخطاء العديدة للوكالة والإشكاليات القانونية والحقوقية التي اصطنعتها الأجهزة الإستخبارية للدول الغربية والكيان الإسرائيلي.
- إنه وفي حال حصل الإتفاق أو لم يحصل، تكون سياسة مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي (دام ظله) قد نجحت. فهو القائل دائماً: "عدم الإتفاق أفضل من الإتفاق الذي يتعارض مع مصالح الشعب الإيراني"، وبهذا يكون قد أكد الحجة على الأميركيين بأنه لا يوجد اتفاق إلا بمصالح الشعب والحكومة الإيرانية.
لقد استطاعت إيران أن تفرض شروطها على الجميع، وفي كل الملفات. فإيران التي تعمل على حفظ حقوقها، تسعى لمصالح شعبها، وكذلك مصالح الأمة ككل. وبالتالي فإن نجاح إيران اليوم في ضرب العلاقة بين الأمريكيين والإسرائيليين من جهة، وبين كلٍ منهم من جهةٍ أخرى، يجعل من إيران القوة المتحكمة بالسياسة الإستراتيجية على الساحة الدولية. فبعد 10 أيام من خطاب رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، والذي كان مفترضاً أن يمثل ضغطًاً من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري على الرئيس أوباما، انعكس الوضع في واشنطن تماماً: معارضو الإتفاق مع إيران من كلا الحزبين اشتبك كل منهم مع الآخر على خلفية الرسالة المثيرة للجدل التي أرسلها 47 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لقادة إيران، والتي حذروهم خلالها بألا يوقعوا على اتفاق مع الرئيس، مما أثار أوباما الذي وصف ما حدث في الكونغرس بأنه مثير للسخرية. فإذا كانت امريكا التي يعتبرها البعض سيدة العالم، قد غرقت في بحر الحنكة السياسية الإيرانية، فهل هناك من يستطيع الإجابة على السؤال التالي: ما هو موقع إيران اليوم، والتي تغير مسار الأمور في المنطقة والعالم؟