الوقت- دأب الكيان الإسرائيلي منذ نشوئه عام 1948 على توظيف كافة الإمكانات السياسية والاقتصادية والعسكرية لتعزيز أمنه الداخلي والإقليمي، إلى درجة يمكن القول معها بأن جميع الإجراءات التي اتخذها ويتخذها هذا الكيان في شتى المجالات إنما تهدف في الحقيقة إلى بلوغ هذا الهدف.
ومن بين هذه الوسائل البحث والتنقيب عن مكامن النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومياه البحر المتوسط خصوصاً القريبة من مصر ولبنان وقطاع غزة.
وتجدر الإشارة إلى أن بداية إنتاج الكيان الإسرائيلي من النفط كانت ضئيلة جداً، حيث لم يكن يتجاوز الـ 2000 برميل يومياً، ما يعني أن هذا الكيان كان يعتمد على السوق العالمية لتوفير أكثر من 99 في المائة من استهلاكه، لكنه استطاع فيما بعد أن يحقق جزءاً من حاجاته عبر استيراد النفط ومشتقاته من مصر.
ومنذ عام 1992 بادرت الشركات الإسرائيلية إلى التنقيب عن النفط في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، خصوصاً في الضفة الغربية. واكتشفت شركة "جيفوت أولام" حقل "مجد" باحتياطي نفطي يبلغ 1.5 بليون برميل واحتياطي غازي يساوي 182 بليون قدم مكعب.
وتشير الإحصائيات الرسمية لوزارة البنى التحتية والطاقة والمياه في كيان الاحتلال إلى أنه تم الحفر والتنقيب في نحو 500 حقل للغاز والنفط في اليابسة والبحر. وشكل عام 1999 نقطة تحول بالنسبة لموارد الطاقة في هذا الكيان، وحفّز اكتشاف حقل الغاز "لفيتان" الممتد على مساحة 325 كيلو متر مربع قبالة شاطئ حيفا والذي يحوي احتياطياً يقدر بنحو 550 مليار متر مكعب على مواصلة الحفريات بعمق أكثر من خمسة كيلو مترات.
وابتدأت الاستكشافات الغازية الإسرائيلية البحرية عام 1999 باكتشاف حقل "نوى" الصغير وتلاه في السنة التالية حقل "ماري" قبالة شاطئ عسقلان، وقد استخرجت منهما منذ عام 2004 نحو 450 مليار متر مكعب خصصت لتوليد الكهرباء. وبقي الحال هكذا حتى عام 2009 حيث اكتشف حقلا "داليت" و"تمار" باحتياطي يقدر بنصف تريليون، وعشرة تريليونات قدم مكعب على التوالي.
ووفقاً لإحصائيات المعهد الجيولوجي الأمريكي لعام 2010 حول احتياطي النفط والغاز الذي عثر عليه في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وتحديداً في المياه الإقليمية، رجحت التقديرات أنّ حقول هذه المنطقة تحوي ما يقارب 3400 مليار متر مكعب من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط، وثلثا هذا الاحتياطي واقع تحت نفوذ الكيان الإسرائيلي.
وفي عام 2014 وضع الكيان الإسرائيلي خطة للتنقيب عن النفط في اليابسة بالجولان السوري المحتل والجليل ومنطقة البحر الميت والنقب والقدس المحتلة. كما اكتشف كميات كبيرة من الغاز قبل أربع سنوات وحقق بسرعة كفاية حاجاته لإنتاج الكهرباء من حقل "تمار" القريب من حقل "لفيتان" الذي يمتد على مقربة من المياه الإقليمية اللبنانية، والذي تقع أجزاء منه في هذه المياه، فيما تشير التقديرات الأولية إلى أن هذا الحقل يحتوي على 275 مليار متر مكعب من الغاز.
والحقل الآخر هو حقل "نوح" الذي يطل على شواطئ غزة والذي دخل حيز الخدمة في عام 2012، ثم حقل "ليفياثان" القريب من الجرف القاري الاقتصادي للحدود البحرية المصرية. كما يرجع اكتشاف حقل "لوثيان" إلى عام 2010 وهو يبعد 135 كيلومتراً من ميناء حيفا وعلى عمق 1600 متر تحت سطح الماء.
وكان كيان الاحتلال قد اكتشف أيضاً حقلين كبيرين للغاز في عامي 2009 و2010 تصل احتياطهما إلى 25 تريليون متر مكعب من الغاز. وتمكن كذلك من اكتشاف بعض الحقول بالقرب من منطقة غزة البحرية والتي وصل إنتاجها إلى 48 مليار قدم مكعب في السنة. كما اكتشفت مجموعة للتنقيب عن النفط تحمل ترخيص "هتروريم" حقلاً في محيط البحر الميت يقدر مخزونه بسبعة ملايين برميل من النفط، وتصل أعلى التقديرات إلى 11 مليون برميل.
ومن المعلوم إن صادرات الغاز المصرية إلى كيان الاحتلال كانت قد انقطعت بعد اندلاع الثورات الشعبية في العديد من الدول العربية أو ما عرف بـ "الربيع العربي" وتحديداً مع سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في كانون الثاني 2011، حيث تم تفجير خط نقل الغاز من مصر إلى هذا الكيان مرات عدة، وذلك بعد ازدياد الهجمات على خطوط الأنابيب في شبه جزيرة سيناء شمال شرق مصر.
وتجدر الإشارة إلى أن الغاز المصري كان يباع للكيان الإسرائيلي بأرخص من ثمنه في مصر نفسها، وأرخص من الأسعار العالمية. وهذا الأمر جعل بعض وسائل الإعلام المصرية تتّهم الاحتلال الإسرائيلي بسرقة الغاز المصري، فيما عدّ المراقبون هذه الخطوة بأنها نوع من التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي ظهرت موجة من الهجمات على خط الأنابيب في العريش الذي كان يمد كيان الاحتلال بالغاز أيضاً.
صادرات الكيان الإسرائيلي من الغاز
مع تراجع الاهتمام بتطوير آبار الغاز الإسرائيلية من قبل الشركات الأجنبية، اندفعت حكومة الاحتلال باتجاه أولوية مد خطوط الأنابيب إلى الأراضي التركية والأردنية لضمان فتح أسواق لصادرات الغاز، حيث تعد هذه الأسواق مهمة جداً لشركات الغاز الصهيونية، وتجعل من الاستثمار في تطوير الآبار واستخراج الغاز ذي جدوى اقتصادية عالية.
وكان الكيان الإسرائيلي قد وقع اتفاقاً مع الأردن يقضي بتوريد الغاز إلى الأخيرة على مدى 15عاماً بصفقة تبلغ حوالي 15 مليار دولار وكميات تصل إلى 530 مليار قدم مكعب. واعتبر هذا الاتفاق من الناحية السياسية نوعاً من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وقد لاقى ردوداً شعبية عنيفة في الأردن.
أهداف الكيان الإسرائيلي من تصدير الغاز
تبدو الصورة اليوم مختلفة تماماً، فكيان الاحتلال بدأ بالبحث عن سبل لتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية لاسيّما في الدول الأوروبية التي تعتبر جغرافياً أقرب من أسواق اليابان والهند والصين، التي بإمكانها الحصول على الغاز بسهولة أكبر من غرب استراليا، وعبر أنابيب تمد من روسيا وقازاخستان باتجاه الصين.
وتعددت الأفكار بشأن تصدير الغاز الإسرائيلي، لكن أيّاً منها لم يصل إلى نتيجة، باستثناء التصدير إلى الأردن، فهناك درجة كبيرة من عدم اليقين بشأن موقع وهندسة آليات التصدير في ضوء المشاكل الأمنية في المنطقة والنزاعات بشأن الحدود البحرية، إضافة إلى ضعف الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار الغاز.
في هذا السياق يجب أن نذكر محاولات كيان الاحتلال لبيع الغاز إلى السلطة الفلسطينية وقطاع غزة بعد أن منعت بكل الوسائل تطوير حقول غزة المكتشفة من عام 1999، والمؤسف أن السلطة الفلسطينية فاوضت بمعزل عن غزة لشراء ما قيمته 1.2 مليار دولار من الغاز من حقل "لفيتان" على مدى عشرين سنة دون أن تسعى لتطوير حقول غزة، بل فاوضت شركة "بي جي" البريطانية - صاحبة الامتياز - من أجل حرمان سلطات غزة من العوائد في حال تطوير الحقول.
أخيراً ومن خلال قراءة هذه المعطيات يعتقد الكثير من المراقبين بأن قضية التطبيع الاقتصادي بين بعض الدول العربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت بشكل واضح في تسعينات القرن الماضي جاءت في الحقيقة لتُكمل الاتفاقية المصرية - الإسرائيلية ومعاهدة "كامب ديفيد" التي أبرمتها القاهرة مع تل أبيب عام 1978 والتي أشارت ضمناً إلى هذا النوع من التطبيع.