الوقت- إنطلق المؤتمر الإقتصادي المصري تحت عنوان: "مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، مصر المستقبل" في منتجع شرم الشيخ شمال شرقي مصر، والذي تشارك فيه 60 دولة. لكن قد تكون تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أهم من المؤتمر نفسه. فماذا جاء في هذه التصريحات؟ وما القراءة التحليلية لها؟
أولاً: تصريحات السيسي لواشنطن بوست
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنه يحارب لإبعاد قوى الفوضى، منذ تولى الجيش السلطة من محمد مرسي بدعم شعبي عام 2013، معتبراً جماعة الإخوان المسلمين "المنظمة الأم للفكر المتطرف"، وأن أعضاء الجماعة هم "الأب الروحي لجميع المنظمات الإرهابية، وينشرونه في جميع أنحاء العالم". وفي حوار أجرته معه محررة صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية "لالي ويموث"، ونشرت الصحيفة في موقعها الإلكتروني مساء الخميس ما قالت إنها مقتطفات محررة منه.
فقد تحدث الرئيس المصري عن علاقة مصر التي تواجه صعوبات مع واشنطن، وكيفية هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، ومخاوفه وآماله لبلاده. وأضاف: "أعتقد أن لدينا سوء فهم. يبدو أننا لا يمكن أن نوصل صوتنا بطريقة واضحة كما ينبغي. رغم ذلك، فإن المخاطر التي تحيط بهذه المنطقة واضحة، وأعتقد أن الولايات المتحدة تتابع عن كثب كيف يهددها (المنطقة) الإرهاب".ورداً على سؤال من محررة الصحيفة، والتي دعاها السيسي إلى القصر الرئاسي عشية مؤتمر كبير لدعم الإقتصاد المصري، حول ما يعتقد أنه ينبغي على أمريكا فعله، أجاب: "دعم مصر، ودعم الإرادة الشعبية للمصريين". وتعقيباً على سؤال بشأن رد فعله جراء قرار منع الرئيس الأمريكي باراك أوباما منع تسليم مقاتلات طراز "إف 16 إس"، وأسلحة أخرى حتى تتحرك مصر نحو "تحول نحو الديمقراطية مستدام وشامل وغير عنيف"، رد السيسي: "أنا فقط أريد أن أسأل: من الذي يلجأ إلى العنف هنا في مصر؟.. إنهم الذين لم يرغبوا في المشاركة بطريقة بناءة في مسار الديمقراطية في أعقاب 30 يونيو"، في إشارة منه إلى عناصر جماعة الإخوان المسلمين.
وتابع السيسي قائلاً: "هؤلاء اختاروا المواجهة مع الدولة. هل رأيت دولة مصر تتخذ إجراءات ضد أي شخص في سيناء باستثناء أولئك الذين يحملون السلاح ويهددون ويقتلون أفراد من الجيش والشرطة وحتى المدنيين الأبرياء؟ نحن نواجه العنف داخل سيناء وعلى حدودنا الغربية مع ليبيا وحتى داخل أجزاء من (هذه) البلاد. لا يوجد أمن في ليبيا لمنع تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب الذين يأتون إلى مصر ويهددون أمننا القومي. وأضاف متسائلاً: "من الذي ينسف شبكات الكهرباء ويزرع متفجرات في محطات الحافلات والقطارات؟ من الذي قتل المدنيين في الشوارع؟". وعندما سألته المحررة عن الجواب، رد: "المتطرفون". ثم قال: "جماعة الإخوان المسلمين هي المنظمة الأم للفكر المتطرف. وهم الأب الروحي لجميع المنظمات الإرهابية. وينشرونه في جميع انحاء العالم". ورداً على سؤال إذا كان الإخوان هم الأب الروحي لتنظيم داعش الإرهابي، رد قائلاً: "جميع المتطرفين يستمدون أفكارهم من بئر واحد. وهذا التفكير المتطرف يغذيه خطاب ديني يحتاج إلى أن يتم إصلاحه".
وفيما يتعلق بحديث الرئيس المصري بخصوص الكيان الإسرائيلي، تغنَّى السيسي بإحترام مصر لإتفاقية السلام مع إسرائيل منذ توقيعها، مشيراً الى أن ترحيب "إسرائيل" بوجود قوات مصرية في الأجزاء الوسطى والشرقية من سيناء رغم أنه محظور بموجب المعاهدة، يعكس حجم الثقة بين الجانبين وتراجع حالة العداء والتشكيك. مؤكداً على أن انهيار مصر خطر على أمن إسرائيل، مشيراً إلى أن العداء مع إسرائيل تراجع في عهده.
ثانياً: القراءة التحليلية:
تعتبر تصريحات الرئيس المصري، خطيرة لناحية أنه رئيس عربي يُجاهر بالعلاقة مع الكيان الإسرئيلي، ويستنجد بالخارج الأمريكي، لعله يجد من يحتضنه. ولكن هذه التصريحات لها الكثير من الدلالات السياسية:
- حاول السيسي جذب العطف الأمريكي، ولكن الأخطر من ذلك، أنه ركز على ما يهم أمريكا، لاستحواذها، من خلال الحديث عما يهمها وهو أمن الكيان الإسرائيلي. فقد وضع الرجل نفسه في خانة الحليف الإستراتيجي لأمريكا فيما يخص أمن هذا الكيان. وهنا يجب سؤال الرئيس المصري، عن موقفه من القضية الفلسطينية التي أظهر نفسه أنه يتاجر بها.
- إن التغني بالعلاقة التاريخية مع الكيان الإسرائيلي ومحاولة كسب وده، يأتي في ظل التخوف المصري من الجبهة مع الكيان، نتيجة الوضع المستنزف للجيش المصري، والذي انعكس نقل تعزيزاتٍ عسكرية الى الحدود الليبية.
- تصريحات السيسي دليلٌ آخر واضحٌ على عدم قدرة دول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية على جلب الأنظار المصرية. فالرجل الذي قد يتفق أكثر مع تركيا وقطر، حاول لفت نظر سيدة الجميع الأمريكية، للحاجة المصرية للدعم. مما يعد مثالاً حياً عن الضعف العربي في إدارة الشؤون الداخلية لدولهم.
- مراهنة الطرف المصري على السيد الأمريكي، بالرغم من أن الأحداث تشير الى تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة. لكن الظاهر أن الكثيريين لا يملكون نفس وجرأة الطرف الإيراني الغني عن الحاجة للجميع، والعارف بحقائق الأمور، والتي تسعى واشنطن استرضائه.
إذاً، الرئيس المصري هو أحد الأمثلة للرموز العربية التي تبيع وتشتري دون مبادئ. فالعار الذي يلحق العرب ليس إلا بسبب سياسات الدول التي لم تقف يوماً بوجه الكيان الإسرائيلي. وهنا تجدر الإشارة الى أهمية الدور الإيراني التاريخي البارز، والدائم، الداعم للقضية الفلسطينية. في مقابل المواقف العربية كافة، ومنها الموقف المصري الأخير، والذي يشير الى حجم التخاذل العربي. فإيران كانت ومازالت بسياساتها تنقذ الدول من الخطر الإسرائيلي في المنطقة. أما الدول العربية فتعيش جهاراً على احتضان السياسات الأمريكية وهمها أمن الكيان الإسرائيلي. وهنا تأتي الأسئلة المهمة والتي سننتظر الأيام لتجيبها. هل نسي الرئيس السيسي الإرهاب الإسرائيلي بحق القضية الفلسطينية، عندما تغنى بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي وهاجم الأخوان المسلمين؟ وهل يوجد مثالٌ على قلة الشرف السياسي، أكثر وضوحاً وتعبيراً من هذه المواقف؟