الوقت- بين عراق ممزق، وسوريا مدمرة، ولبنان قلق، وقضية فلسطينية منسية، وعلى ذلك فقس في اليمن ومصر وليبيا والسودان، يعيش العالم الإسلامي تدميراً ممنهجاً في عبثيته، حيث أضحى القتل والذبح وأكل القلوب، هو من يرسم المستقبل البائس لشعوب المنطقة، وإن تعدّد الأسماء بين تنظيم داعش الإرهابي والكيان الإسرائيلي يبقى الإرهاب واحد.
ما هو وجه الشبه بين داعش الارهابي والكيان الاسرائيلي؟ هنالك عدّة أسباب تدفعني الى طرح هذا السؤال، الاول يتعلق بطبيعة نشأتهما وتحولهما السريع من مجرد تنظيمات مسلحة الى شبه دولة، و الثاني يتمثل بالواقع الجغرافي والعسكري، أما الثالث فهو الهدف الذي انيط بهما.
ايدولوجياً
كما أن الكيان الاسرائيلي يقوم على ايدولوجية طائفية صارمة في ظل إعتماد السياسة القائمة هناك على التمييز بين اليهود حسب إنتماءاتهم، إضافةً إلى تمييز الصهاينة أنفسهم بين أشكناز وسفارد، إعتمد تنظيم داعش الارهابي على نهج مماثل في تأسيس دولته المزعومة، حيث لم يتم التكفير على أساس طائفي فحسب، بل غدا الإجرام الداعشي لا يستثني حتى التنظيمات التي تقوم على الإيدولوجية نفسها (النصرة على سبيل المثال).
يدعي الكيان الإسرائيلي أنه ممثل حقيقي ليهود العالم الذين بدأوا ينزعجون من الدولة التي تدعي تمثيلهم دون الحصول على إذن منهم، كما لا يدخروا جهداُ في ادانة كافة الجرائم الإسرائيلية التي كان آخرها العداون على غزة والذي خلف نحو ألفي شهيد من بينهم مئات الاطفال والنساء، وهو نفس الشعور الذي ينتاب المسلمين لما يقوم به تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا وليبيا. الاصطفاء اليهودي يقابله الاصطفاء الإسلاموي الخلافي لدى التنظيم الإرهابي، نواجه مشروعين متقابلين أرض الميعاد وأرض الخلافة، للأولى أصولية يهودية متطرفة، وللأخرى سلفية تكفيرية متطرفة.
الاخبار القادمة من قلب الكيان الاسرائيلي، تؤكد شدة التطابق بين افكار المتطرفيين اليهود وافكار داعش الارهابي، بدءا من نبذ الاخرين وافكارهم وصولا الى فتاوى الحاخامات اليهود بقتل نساء واطفال وشيوخ ورجال "الاغيار" وسبي نسائهم واقتلاع زرعهم وبقر بطون حواملهم، ما لا يبتعد كثيراً عن فتاوى مشايخ داعش من قتل ما اسموهم كفارا والشبيه لمصطلح "الاغيار" لدى اليهود، تلك الفتاوى القائمة ايضا على القتل والسبي والحرق وتقطيع الاوصال واكل الاكباد.
في هذا السياق، يرى الكاتب العراقي فاضل الربيعي في مقالته «متلازمة الدولة اليهودية والدولة الإسلامية» أن «بقاء وتمدد دولة التنظيم الإرهابي (داعش)، لم يعد مجرد صراع بين الدولة في العراق وجماعة إرهابية متوحشة، لقد بات يرتبط بمشروع ظهور «الدولة اليهودية»؛ أي أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، هي حاجة أميركية ـ إسرائيلية لتبرير وجود «الدولة اليهودية». وفي مقاربته لقيام الدولة الإسلامية والدولة اليهودية، يلاحظ الربيعي تماثلاً في مضمون إستراتيجية التوحش المؤدية لولادة إسرائيل والتي تؤدي اليوم إلى ولادة نظيرتها الدولة الإسلامية، معتبراً أن «ولادة الدولة الإسلامية تتماثل وتتطابق إلى حد بعيد من حيث الظروف العامة مع ولادة ونشأة إسرائيل. لقد قامت الأولى على أساس إستراتيجية التوحش، أي ممارسة أقصى حدّ ممكن للعنف، وبحيث يبلغ ذروته مع وقوع مجازر مروعة ضد المدنيين العزل بواسطة التطهير الديني (...) وتقوم الثانية أي الدولة الإسلامية اليوم بتطبيق إستراتيجية التوحش الشامل التي طالت كل الأعراق والأديان والمذاهب من دون تمييز، وبدعاوى دينية شديدة التزمت». ويشير الربيعي إلى أن «انسحاب البريطانيين من فلسطين أدى إلى ولادة إسرائيل؛ وأدى الانسحاب الأميركي من العراق، إلى ولادة الدولة الإسلامية في الموصل والرقة قبل أن تتمدد بسرعة إلى غرب العراق وشمال سوريا، ولقد تلازمت هذه الولادة مع ممارسة إستراتيجية في أقصى أمدائها».
تاريخياً
لم يستطع الفارق التاريخي بين الكيان الإسرائيلي وتنظيم داعش الإرهابي التغلب على كافة المشتركات التي يغذيها بناء ديني وعنفي يتطابق في سياقات عدة، فالظروف التاريخية التي تزامنت مع احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، تلتقي مع حقبة الفوضى والاضطراب التي يمر بها العالم العربي في الزمن الراهن.
استند التنظيم الإرهابي على تطهير الأرض التي استولى عليها تحت ذرائع دينية، فقتل من قتل وشرد المئات، وادَّعى أنه يطبق الشريعة الإسلامية، في موازاة ذلك قامت عصابة الموت الصهيوني «هاغاناه» (كلمة عبرية تعني الدفاع) بقمع انتفاضة العرب الفلسطينيين، وهاجمت المساكن والممتلكات العربية، ونظَّمت المسيرات لاستفزاز المواطنين العرب وإرهابهم، كما ساهمت في عمليات الاستيطان.
جغرافياً
يعيش كل من الكيان الإسرائيلي وتنظيم داعش الإرهابي حالياً على أرض مسروقة، ويدوسان على الشعوب التي يرونها أقل منهم أو بالأحرى من الدرجة الثانية، ناهيك عن تشارك الطرفان في وجهات النظر الدينية، وإفتخارهم بارتكاب أفظع المجازر. في السياق نفسه يعتبر المشروع الصهيوني مشروع توسعي عنصري استيطاني لايضع حدوداً جغرافية، مملكته المملكة اليهودية من النيل إلى الفرات. كذلك لا يضع التوسع الداعشي حدوداً لجغرافيته، فأرض الله واسعة، وهو يتوعد الدول بالتمدد إليها لتطهيرها من الكفار والطواغيت. وكما اعتبر هرتزل أن إقامة الوطن القومي لليهود يتطلب زيادة عدد المهاجرين، بما يؤدي إلى اتساع رقعة الأرض، دعا أبو بكر البغدادي المسلمين إلى الهجرة لأرض الخلافة.
عسكرياً
لم يتوقف التشابه عند هذا الحد، فقد استطاع الكيان الإسرائيلي بناء قوة عسكرية له، عبر الاستفادة من خبرات الضباط اليهود الذين شاركوا في الحرب العالمية الاولى والثانية، وقام باستقدامهم، تماما كما فعل تنظيم داعش الإرهابي عندما استقدم ضباطا من القوقاز والشيشان بالاضافة الى الاستعانة بضباط جيش صدام السابق، ولم تكتف بذلك بل استقدمت حتى المقاتلين من كل تلك الاصقاع كما استقدم الكيان الصهيوني كل المقاتلين من دول العالم جميعها.
في الخلاصة، وكما زُرع الكيان الإسرائيلي في قلب العالم الإسلامي لتهديده وتفتيته، وضع داعش الارهابي كسكين في خاصرته للغاية ذاتها، فداعش والكيان الاسرائيلي كيانات إرهابية يمكنها العمل معا، ويوجد بينهم الكثير من القواسم المشتركة، بما في ذلك الطائفية وجرائم الحرب وزعزعة استقرار الدول المجاورة، والعيش على أرض مسروقة، لذلك يجب عليهما الاندماج في كيان واحد، كيان خالص ومناسب للأشخاص الذين يتمتعون بإطلاق النار على الأطفال وقطع الرؤوس وهتك المحرمات، ما يؤكد فعلاً أن تنظيم "داعش الارهابي" والكيان الإسرائيلي وجهان لعملة واحدة.