الوقت- شهد مضيق باب المندب والسواحل المحيطة هذه الأيام، تصعيداً خطيراً يُنبئ بتأزّم الحرب في اليمن وانتقالها إلى مستويات أخرى. فيما اتهمت امريكا اليمنيين بالقيام بإستهداف بوارجها، وهو ما نفاه اليمنيون. لتدخل مسألة إثارة هذا الملف، موضوع تحليل المراقبين، خصوصاً لما يمتلكه مضيق باب المندب من أهمية استراتيجية على الصعد كافة. فماذا في استهداف البوارج والرد الأمريكي؟ ولماذا تدعي واشنطن ذلك وما هي أهدافها؟ وهل يمكن أن تحققها؟
وزارة الدفاع الأمريكية تستهدف!
استهدفت القوات البحرية الأميركية ثلاثة مواقع للرادارات في السواحل اليمنية، رداً على هجومين استهدفا المدمرة "ميسون" الأميركية، بالقرب من مضيق باب المندب. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، تنفيذها ثلاث هجمات على مواقع للرادارات في السواحل اليمنية الخاضعة لسيطرة أنصار الله، وذلك بعد ساعات من تأكيد الوزارة تعرض المدمرة الأمريكية لهجوم ثانٍ بالصواريخ، بعد أربعة أيام على هجوم مشابه استهدفها. في حين لم يُلحق الهجومين أي أضرار بالمدمرة. وبحسب بيان "البنتاغون" فإن الضربات التي استخدمت فيها صواريخ "توما هوك" قد أجازها الرئيس باراك أوباما، وكانت دفاعية. وكانت واشنطن قد هددت بأنها سترد على الهجوم الصاروخي الأول في الوقت المناسب، قبل أن تعلن منذ يومين تعرض البارجة نفسها لتهديد صاروخي جديد، ما عكس، بحسب مراقبين، رغبةً في جر الحرب إلى نطاق أوسع، بحسب ما نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية.
اليمنيون ينفون الإدعاءات
من ناحية أخرى، نفى أنصار الله والقوات اليمنية، استهدافهم لأي بارجة قبالة السواحل اليمنية. وقال مصدر عسكري مسؤول لقناة روسيا اليوم، بأن ما تم تسريبه وتداوله يعتبر أخباراً مغلوطة ولا أساس لها من الصحة. مؤكداً أن ذلك يأتي في إطار الحرب الإعلامية والتغطية الأمريكية على الجريمة البشعة التي ارتكبها طيران العدوان السعودي باستهداف الصالة الكبرى بالعاصمة صنعاء.
كما أكد المتحدث باسم الجيش اليمني "شرف لقمان" أن لصنعاء الحق في الدفاع عن سيادة اليمن وحماية حدودها البرية والبحرية أمام أي اعتداء أجنبي. مشيراً إلى أن الإعتداء الأميركي المباشر واستهداف الأراضي اليمنية من قبل القوات الأميركية هو عمل استفزازي لن يكون في مصلحة أمن واستقرار الملاحة الدولية. فيما عبَّر في الوقت نفسه عن حرصه الكامل على سلامة الملاحة الدولية في المناطق التي يسيطر عليها، مبدياً الاستعداد اليمني الكامل للتعاون مع أي جهة أممية أو دولية للتحقيق في هذه الادعاءات ومعاقبة المتسببين أياً كانوا.
لماذا تدعي واشنطن ذلك؟
عدة أسباب تجعل واشنطن مضطرة لإدعاء استهداف انصار الله للبارجة الأمريكية. وهو ما يمكن إيجازه بالتالي:
- من جهة، تسعى أمريكا لتحقيق مآرب أخرى من محاولتها إثارة ورقة باب المندب خصوصاً أن هذا الممر الإستراتيجي له لدی جميع الأطراف حسابات خاصة عسكرية وسياسية بالإضافة الى الإقتصادية.
- من جهة أخرى، لا يمكن لأمريكا التدخل دون وجود سبب مُقنع على الصعيدين الداخلي والخارجي. حيث يسعى البيت الأبيض لتأمين مُبرر للكونغرس من أجل كسب التدخل. كما ويحتاج لذلك من أجل إقناع الرأي العام الدولي لكسب المشروعية الدولية.
لماذا تحتاج أمريكا لهذا التوجه حالياً؟
إن السلوك الأمريكي الحالي يعود لعدة أسباب:
-عدم قدرة واشنطن على الإعتماد على السعودية الحليف الإستراتيجي لها في المنطقة بعد غرقها في المستنقع اليمني.
- إن جرائم الرياض باتت محط تساؤل المجتمع الدولي والذي لا بد أنه انتقد ليس فقط سلوك السعودية بل أسباب دعمها، وهو ما بات أمراً يطرح العديد من علامات الإستفهام حول العلاقة الأمريكية السعودية أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي.
- يوجد سعي أمريكي لإبقاء دور واشنطن في الأزمات مفصلياً وهو ما يحتاج لمُبرر بعيد عن سلوك وإدانات حلفائها.
-يجري طرح السياسة الخارجية الأمريكية في سباق الإنتخابات الرئاسية وهو ما يعني حاجة واشنطن لتوجه واستراتيجية جديدة خصوصاً في ظل الهجوم الدائم على الديمقراطيين كونهم يمسكون زمام الحكم اليوم ويسعون لتحقيق نجاح آخر في الإنتخابات المقبلة.
هل يمكن لواشنطن أن تحقق أهدافها؟
إن واشنطن تسعى لتحقيق اهدافها عبر الضغط على الشعب اليمني من أجل إجبار أنصار الله والقوات اليمنية لإيقاف الحرب ولكن بعد تحقيق المصلحة الأمريكية والرضوخ لشروط واشنطن. في حين لا يبدو واضحاً حتى الآن إمكانية تحقيق واشنطن لهدفها للاٍسباب التالية:
-إن الحرب الهمجية ضد الشعب اليمني تضمنت كل ما يمكن أن يقوم به أي طرف لإرضاخ اليمن، وهو الأمر الذي لم يحصل، بل إن الشعب اليمني الذي تحمَّل كل هذه الصعوبات قادر على التحمل أكثر. فيما أثبت شجاعة ليس لها نظير.
- إن الحرب على اليمن كانت قاسية لدرجة أنه لم يعد لدى اليمنيين ما يخسروه، خصوصاً في ظل عدوان السعودية الذي طال كل مؤسساتهم ومناطقهم. وبالرغم من ذلك يمضي اليمنيون في مقاومتهم. وبالتالي فإن اليمنيين قادرين على الإستمرار خصوصاً بعد أن تمكنوا من إنشاء معادلات موجعة في الصراع. حتى أن مسألة التفكير الأمريكي بالإعتداء المباشر عليهم، ستكون باهظة الثمن.
لا بد من اليقين بأن محاولة إثارة الصراع في باب المندب هو لأهداف لا تقل عن السعي الأمريكي لكسب أوراق جديدة بعد فشل المشروع الأمريكي السعودي في اليمن. كل ذلك، في وقتٍ يمضي فيه اليمنيون بعزمٍ ليس له نظير. لكن المستقبل ما يزال غامضاً إذ أن تحقيق أمريكا لهدفها بالإمساك بورقة باب المندب ليس أمراً سهلاً، حيث تحكمه الكثير من الحسابات الإقليمية والدولية. لنقول أن واشنطن باتت تدخل في مغامرة خطيرة، للإمساك بورقة صعبة، وكسبها كورقةٍ جديدة.