الوقت- بينما تختلط الأوراق الأمريكية والروسيّة على الأراضي السوري، تمضي تركيا قدماً في مشروعها "العثماني" على حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق.
يبدو أن التدخّل التركي في سوريا تحت عملية "درع الفرات" لن يتوقّف عند حدوده الحالية، فرغم سيطرة القوات التركية و "الجيش الحرّ" على مساحات كبيرة من المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي في ريف حلب الشمالي، إلا أن العديد من الخبراء يؤكدون عزم أنقرة على الوصول إلى مشارف الرقّة لتحقيق أهداف أبعد من تنظيم داعش الإرهابي.
الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وبعد فترة وجيزة على كشف صحيفة "الإندبندنت" البريطانية معلومات عن إرسال تركيا أكثر من 1000 جندي من قواتها الخاصة، لتأدية مهمات سرية داخل الأراضي السورية، تحدّث عن خطة تركية لتطهير 5000 كيلو متر في شمال شرقي سوريا، وأعلن أردوغان أن هذه المنطقة ستكون خالية من الإرهاب ويحظر اقتراب الطيران منها، وتسعى لإعادة السكان إلى هذه المناطق وتشكيل قوات لحمايتهم.
لا تنحصر طموحات الرئيس أردوغان العثمانية بسوريا فحسب، بل يتطّلع إلى الأمر ذاته في العراق، في ظل تواجد قوّات تركية تحت ذريعة مواجهة التنظيم الإرهابي الأبرز. فقد اعتبر نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، أنه لا يحق لأحد الاعتراض على وجود القوات التركية قرب مدينة الموصل "ما دام العراق مقسماً"، على حد تعبيره، مبيناً أن تلك القوات لا تهدف لأن تكون قوة احتلال.
الفرص
رغم وجود العديد من العقبات، إلا أن هناك جملة من نقاط القوّة، أو بالأحرى فرص، تمنح أردوغان مزيداً من "الوقت الضائع" في سوريا والعراق، حيث تتقسّم هذه الفرص ما بين الداخل والخارج.
داخلياً، منحته الانتخابات الأخيرة، والنظام الجديد لتركيا، لاسيّما بعد الانقلاب الفاشل فرصة لتمرير مشروع عجز طوال السنوات الخمس الماضية على تمريره في سوريا. كما أن التفجيرات التي هزّت المدن التركيّة في الآونة الأخيرة شكّلت غطاءً داخلياً لعملية "درع الفرات" تحت ذريعة حماية الحدود التركية من تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي استفاد منه أردوغان في تصفية حساباته مع الأكراد.
وأما خارجيّاً، لا شكّ في أن الخلاف الروسي الأمريكي في سوريا يشكّل الفرصة الأكبر لأردوغان بغية تمرير مشروعه على الأراضي السورية والعراقية، إلا أن "بُعبُع" داعش يعد أيضاً ذريعة أخرى تمنح القوات التركية المزيد من الوقت على الأراضي السورية والعراقية.
بعبارة أخرى، تطمح قوات درع الفرات حالياً، إلى توسيع نطاق نشاطها العسكري على الأراضي السورية ليشمل الراعي ودابق وصولاً إلى مدينة الباب التي ستفتح لتركيا ممرّاً إلى الرقّة، وبالتالي حصد نتائج معركة الرقّة قبل بدأها.
أبرز العقبات
ورغم أن روسيا وأمريكا منشغلتان بمواقف بعضهما البعض، يبدو أن الجانبين لم يغفلا عن الموقف التركي، ففي حين نشرت روسيا منظومة الدفاع الجوي "اس-300" في قاعدتها البحرية بميناء طرطوس السوري، تدرس واشنطن مختلف خيارات تسوية الأزمة في سوريا بما فيها الخيارات غير المرتبطة بالدبلوماسية، وقد لمسنا موقفاً أمريكيا "غير دبلوماسي" تجاه تركيا حيث أخطأت القوات الجوية الأمريكية، مرّة أخرى، أهدافها وقصفت مجموعات مسلحة موالية لتركيا ومدنيين في سوريا. فقد أقدمت طائرتان مقاتلتان من طراز " إف-16" وطائرتان آخرتان من طراز "أك-130"، بعد تحضيرات إستخباراتية دقيقة، بتنفيذ ضربات مخططة على مجموعات من تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الواقعة بين "مارع وسنبل " في حلب، إلا أن القصف طال مارع نفسها و ما يسمّى بالمعارضة المعتدلة.
وصلت الرسالة الأمريكية لتركيا، إلا أن الأخيرة حاولت الإلتفاف عليها عبر التغاضي عن الخطأ العسكري، لأنه ليس من مصلحة قوات أنقرة وقادة الفصائل المعارضة الموالية لتركيا الإعلان عن هذه الأخطاء الآن بصوت مرتفع والدخول في معركة إعلامية مع واشنطن قد تؤثر على سير عملية "درع الفرات".
عقبة أخرت تعترض طريق "أنقرة" لإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، تتعلّق بالواقع الميداني حيث من الممكن أن تتلقّى القوات التركية ضربات من جهات عدّة سوريّة وكردية وداعشية، الأمر الذي يحدّ من جدوى العملية العسكرية التركيّة. ففي حين تتقدّم قوات سوريا الديمقراطية " SDF" التي شكلتها أمريكا، والتي تشكل الوحدات الكوردية وحداتها الضاربة، نحو مدينة "الباب" لإبطاء تقدم القوات التركية والجيش الحرّ نحو المدينة، تستخدم تركيا وفصائل الجيش الحر الموالية لها لمنع توحد الوحدات الكوردية في كوباني وعفرين. بعبارة أخرى، تصعّب السياسة الإزدواجية الأمريكية من مهمّة أنقرة، ففي حين تردع منافسي قوات سوريا الديمقراطية من الجيش السوري الحر وتمنع المجموعات المحسوبة على تركيا من تعزيز قوتها، تستخدم هذه القوّات للحد من فاعلية الأكراد في الوقت عينه.
العقبة الثالثة أمام أنقرة هو الإعتراض العراقي الأخير على تواجد قوّتها في الموصل، فقد صوت البرلمان العراقي، الأسبوع الجاري على قرار يقضي برفض قرار البرلمان التركي بتمديد مهمة القوات التركية في العراق وسوريا لعام واحد، واستدعاء السفير التركي في العراق وتسليمه مذكرة احتجاج، كما أن إقليم كردستان التي تربطه علاقات ليست بالسيّئة من أنقرة، لن يرضى بمشروع تركيا التي تحاول دعم أطراف معينة لتهديد مستقبل القومية الكردية، وفق عضو برلمان إقليم كردستان سالار محمود. وقد حّذر محمود من أن تركيا تحاول احتلال المنطقة من جديد عبر مشاركتها في عملية تحرير الموصل، مطالبا حكومة إقليم كردستان بمنع دخول القوات التركية، وأضاف أن "تركيا ترغب في السيطرة على جبل سنجار والمنطقة الواقعة بين إقليم كردستان وكردستان السورية".
يبدو جليّاً كيف يرقص أردوغان على الخلافات القائمة سواء بين أمريكا وروسيا، أو بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، فضلاً عن "داعش" الورقة الذهبية في تصفية الحسابات. المشروع العثماني الجديد، ورغم مساوئه الكثير، إلا أنه يبقى كحال الخلافة العثمانية التي وقفت أمام الهجمات البيزنطية بغية الإبقاء على نفوذها. فتركيا اليوم التي تطمح لإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، تحدّ من فاعلية مشروع أمريكا لتقسيم المنطقة، إلا أن لا شیئ يبرّر المشروعين على حدّ سواء.