الوقت- أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية تحريرها لمشفى الكندي في ريف حلب الشمالي، لتعود لأذهان السوريين من جديد ذكرى هذا المشفى الذي تحول الى أثرٍ بعد عين، ولتبقى صورة شموخ الجنود ا السوريين حاضرة في نفوس الكثيرين، وأعيدت أمس لتزين مخيلاتهم وحساباتهم الألكترونية.
يعد تحرير المشفى نقلة نوعية في ترايخ الحرب على سوريا، لا تقل أهيمتها الميدانية على أهميتها المعنوية، فمشفى الكندي في حلب، يعد أحد أكبر مشافي الشرق الأوسط، دمرته الجماعات الإرهابية وعلى رأسها "حركة فجر الشام" التي تضم بغالبيتها مسلحين من الجنسية التركية، بالإضافة إلى "حركة أحرار الشام" وجبهة النصرة بدعم خارجي معروف الهوى والهوية.
ويقع هذا المشفى الضخم على تلة يشرف عليها مخيم حندرات من الشمال وبالقرب من سجن حلب المركزي من الجهة الشمالية الشرقية، وعلى طريق حلب ــ المسلمية المؤدية الى الريف الشمالي لحلب، ويحده من الجنوب منطقة العويجة ومن الغرب منطقة الشقيف الصناعية.
ويحد المشفى من الشمال مخيم حندرات، ومن الجنوب منطقة العويجة، ومن الجنوب الغربي منطقة الشقيف ومن الشرق منطقة الشيخ نجار الصناعية.ويبعد عن دوار الجندول كيلومترين، الذي يعتبر مدخل الاحياء الشرقية لحلب من الجهة الشمالية للمدينة.
وتعود تسمية المشفى إلى أحد فلاسفة المسلمين (796 مـ – 873 مـ )، هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، الذي برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق، ووضع العديد من النظريات التي عنت بمختلف جوانب الحياة، فيما اختلف الرواة في عدد مؤلفاته، فمنهم من جعلها 238 رسالة، ومنهم من قال إنها لا تتعدى الـ 60.
ويعتبر مشفى الكندي أحد أكبر مشافي الشرق الأوسط بنته الدولة السورية لتوفير مشقة السفر على سكان شمال سوريا ولا سيما ريف حلب الشمالي، واشتهر المشفى بضخامته ومعالجة أمراض السرطان حيث استقبل ملايين المرضى وقدم لهم العلاج بشكل مجاني خلال الـ 50 سنة الماضية، يحتوي على العديد من الغرف والعيادات الطبية، وعمل فيه نحو 250 طبيباً وطبيبة وأكثر من 650 بين ممرّضين وإداريين. ويتسع لنحو 700 سرير.
ويعد مشفى الكندي التابع لوزارة التعليم العالي في سوريا، أهم مركز لاعداد الأطباء السوريين حملة شهادة الدراسات العليا، في معظم الاختصاصات الطبية.
معركة مشفى الكندي حاضرة منذ ثلاثة أعوام
في نهاية عام 2013، حشدت جبهة النصرة وعدد من الفصائل المسلحة في شمال سوريا وبدعم وتخطيط من المخابرات التركية أكثر من 3000 مقاتل، مقابل 80 جندي سوري استبسلوا في الدفاع عنه بعد حصار لمدة عام كامل،ووصل الامر بهم الى تناول المراهم والأدوية بعد انقطاع الغذاء عنهم.
وفي نهاية المطاف سقطت مشفى الكندي واستشهد نصف الجنود السوريين فيما تم اسر 15 جندي كانوا قد قاتلوا حتى الرمق الأخير دفاعا عن المشفى.
وبعد أشهر من السيطرة على المشفى، أقدم الإرهابيون على تفجيره في أيار/2014، بعد ما سرقوا محتوياته التي تبلغ قيمتها مليارات الليرات السورية، وبرر المسلحون تفجيرهم للمشفى إلى تقدم الجيش السوري في محيطها وفكه الحصار عن سجن حلب المركزي واقترابه منها.
ويأتي تدمير المشفى في سياق عمليات التخريب والنهب الممنهجة التي أقدمت عليها الجماعات الإرهابية، بدأت مع لواء التوحيد، حيث تم سرقة المعامل في حلب، ونقل المعدات إلى تركيا، في إطار تدمير الإقتصاد السوري، الذي شهد قفزات مهمة في مرحلة ما قبل الحرب على سوريا، وصلاً الى لصوصية جبهة النصرة و"جيش الفتح".
المشفى الذي لم يبخل حتى على المسلحين في تقديم خدماته، ناهيك عن الخدمات التي قدمت لأهالي المسلحين السوريين منهم على وجه الخصوص، سيبقى شاهداً جديداً على همجية الحرب على سوريا، والتي انبرت دول عربية معروفة لتسعيرها وعملت على تلميعها في أمبراطوريتها الإعلامية لتطلق على الدمار "ثورة"،وعلى الارهابيين "ثوار".
وسيبقى مشفى الكندي عينة من ثورة البترودولار في سوريا، ولن تنفع كل أموال قطر والسعودية وحتى أمريكا في إعادة البنية التحتية في سوريا الى ما كانت عليه قبل أن تدموره جحافل ارهابييهم، ولكن نقول كما قال محمود درويش ونعدل :" أيها هالماراون بين المشافي المدمرة احملوا أسماءكم وانصرفوا واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، و انصرفوا وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا انكم لن تعرفوا كيف يبني جندي من أرضنا سقف السماء".
ولابد أن يأتي يوم وتحط الحرب في سوريا رحالها، ويقوم تلاميذ إحدى المدارس برحلة الى أطلال مشفى الكندي و المنطقة ليرددوا بصوتٍ واحدٍ أو يكتبو على أحد الجدارن المدمرة " من هنا مر إرهابيو قطر والسعودية وتركيا".