الوقت- تتوالى العلاقات الإيرانية السعودية فصولاً، فقد كشفت السجالات الأخيرة التي حصلت بين طهران والرياض عن استمرار حالة التدهور في العلاقات بين البلدين. حالة التدهور هذه يحمّل كل طرف مسؤوليتها للأخر، إلا أن التدقيق في هذه المستجدات يفضي إلى واقع يؤكد الحقيقة، والجهة التي تتحمّل هذه المسؤوليّة، والتي سنعرضها في موضوعنا.
منذ فاجعة منى في العام الماضي ساءت العلاقات الإيرانية السعودية بنحو صعودي، انتهى بعدم توجّه الحجاج الإيرانيين إلى مكّة العام الجاري، وقد أولت ايران التي خسرت 464 حاج إهتماماً بالغاً لهذا الأمر، إلا أن الطرف السعودي الذي رفض الإعتذار عما حصل في منى، بل بارك الملك سلمان حينها بنجاح موسم الحاج، إتخذ العديد من الخطوات تجاه إيران، لاسيّما الفترة الأخيرة.
فإيران منذ 24 سبتمبر عام 2015، يوم الفاجعة، وحتى كتابة هذه السطور، تركّز في علاقاتها مع السعودية على الحادثة التي كلّفتها المئات من أبناءها، ومنهم السفير الإيراني في لبنان غضنفر ركن آبادي، كما أن الرسالة الأخيرة لقائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي الأخيرة لحجاج بيت الله الحرام تندرج في هذا الإطار.
في المقابل، تكشف الإجراءات السعودية التي سنذكرها تباعاً عن سياسة كيدية عنوانها الهروب إلى الأمام، ففي الأسابيع الأخيرة عمدت السعودية، التي تكيل سيل من التهم بحقّ إيران، إلى جملة من الإجراءات سنكتفي بذكر بعضها:
أولاً: وجّه الممثل الدائم للسعودية في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، رسالة إلى رئيس المجلس لهذا الشهر، تضمّنت شكوى رسمية ضد ما أسماه بـ"الممارسات الإيراينة التي تنتهك بنود قرار مجلس الأمن 2216 المتعلق باليمن والمعتمد تحت الفصل السابع". وقد جاء في نص الرسالة: "إن السعودية تتعرض لاعتداءات متواصلة من المليشيات الحوثية وحليفها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بما في ذلك القصف بقذائف صاروخية باليستية سببت وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات ودمارا في البنية التحتية وأضرارا لحقت بالمدارس والمستشفيات".
ثانياً: أعلن وزير الإعلام والثقافة في السعودية، عادل الطريفي، عن إطلاق قناة "الحج" الناطقة باللغة الفارسية. فالسعودية التي اتهمتها نيويورك تايمز الأميركية أنها المسؤولة عن "تصدير النزعة المتعصبة والأصولية المعروفة بالوهابية التي غذت التطرف العالمي وساهمت في انتشار الإرهاب"، تمتلك باعاً طويلاً في حربها الإعلامية على ايران فقد بينت وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية السعودية عن دعم وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل، في البرقية التي رفعت إلى الديوان الملكي السعودي والمؤرخة في ۲/٥/۱٤۳۳ (۲٥ مارس/ آذار ۲۰۱۲) والتي نشرها موقع "ويكيليكس"، إطلاق قناة من البحرين موجهة ضد إيران باللغتين الفارسية والإنجليزية.
ثالثاً: تقدمت ادارة بعثة السعودية المشاركة في دورة الالعاب البارالمبية 2016 بالبرازيل باحتجاج رسمي للجنة المنظمة العليا على البعثة الايرانية بسبب کتابه اسم 'الخلیج الفارسي' باللغة الإنجلیزیة علی ملابس وأمتعة الریاضیین الإیرانیین، واصفة تصرف الریاضیین الایرانیین بالـ'استفزازي'!.
لم تقتصر الإجراءات السعودية على الأمور الآنفة الذكر، بل شارك الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل في المؤتمر السنوي الأخير لزمرة منافقي خلق في العاصمة الفرنسية باريس، وقد نشرت صحيفة "ناشيونال إنترست" الأمريكية مقالاً أشارت فيه إلى أن سياسة السعودية المعادية لإيران تقوم على دعم الجماعات الإرهابية وشن حروب بالوكالة. ومؤخراً، عمدت الرياض إلى تنظيم حملة ممنهجة شارك فيها وزير الإعلام السعودي تضمّنت اتهامات لطهران بالوقوف وراء حادثة منى.
لا ندري ما الذي تقصده السعودية من اتهام ايران بالوقوف خلف أحداث منى، حيث استدلت على هذا الأمر بغياب الحجاج الإيرانيين هذا العام، وكأن قبل عامين وثلاثة وأربعة لم يحضر حجّاج الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهل باتت السعودية على هذا القدر من السذاجة، أم أنها تستغبي الشعوب العربية والإسلامية وكافّة سامعيها. لا شك أن الأمر ليس كذلك، حتى أننا ذكرنا في عدّة مقالات سابقة قبل بدء موسم الحج نيّة السعودية الإقدام على هذه الخطوة، بل جل ما نسمعه من أبواق الرياضي يدخل في إطار الكيدية السياسيّة، لا أكثر ولا أقل، وبخصوص حادثة منى التي كشفت سوء إدارتهم، تتحمّل القيادات السعوديّة الشابّة وعديمة الخبرة المسؤولية الكاملة، كما أن ثناء الملك سلمان على ولي العهد الأمير محمد بن نايف لنجاح موسم الحج التي ترك ألاف الشهداء ( تحدّثت وكالة أسوشيتد برس عن أكثر من 2121 شهيد، في حين تحدّثت وسائل أخرى عن أكثر من 6000) يؤكد ضلوعهم بفاجعة منى خاصّة أنهم رفضوا تشكيل هيئة تقصّي حقائق دولية إسلامية، فضلاً عن الإعتذار وإبداء الندم.
يتّضح أن السعودية تبحث عن أي "قشّة" تتعلّق بها كي لا تغرق في المحاسبة، لاسيّما أنها اليوم باتت غارقة في السمتنقع اليمني، والأنكى من ذلك أنها تتقدّم بشكوى لمجلس الأمن حول اعتداءات يمنية بعد حوالي 18 لعدوانها على اليمنيين!.
لا يعدّ هذا التصرّف بالأمر الجديد على شعوب المنطقة، فالكيان الإسرائيلي الذي يقصف المدنيين في غزّة ولبنان، يعتمد الأسلوب نفسه في الذهاب إلى مجلس الأمن أو خطوات تصعيدية أخرى تحرف البوصلة عن الجرائم الإسرائيلية المتمثّلة باستهداف المدنيين كالبؤر الاستيطانية والاعتقال الإداري، فضلاً عن التضليل الإعلامي الذي يعد من أبرز الأذرع الناعمة للسعودية والكيان الإسرائيلي، على حدّ سواء.
إن حقيقة التدهورفي العلاقات الإيرانية السعودية، وقيام الأخيرة مؤخراً بسلسة من الإجراءات لثني طهران عن موقفها في منى وتضييع البوصلة أمام الرأي العام يؤكد اتخاذ الرياض من سياسة "الهروب إلى الأمام" عنواناً لها في العلاقة مع إيران، وما التضليل الإعلامي وسياسة "إيران فوبيا" وكافّة الإجراءات الإستفزازية الأخرى إلا لرمي كرة الإنتقادات في ملعب طهران أمام الرأي العام العالمي.