الوقت - بعد دعوة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى تفعيل الهدنة في اليمن لمدة 72 ساعة للسماح للمبعوث الأممي الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد باستئناف المشاورات التي عقدت الجولة السابقة منها في الكويت، بدأت التساؤلات تطرح بشأن خلفيات هذه الدعوة والأهداف التي يراد تحقيقها من خلالها خصوصاً بالنسبة للسعودية التي فشلت في تحقيق غاياتها المعلنة وغير المعلنة في اليمن رغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها طيلة نحو ثمانية عشر شهراً من عدوانها المتواصل على هذا البلد.
وكانت السعودية تتوهم بأنها ستتمكن من إلحاق الهزيمة باليمن خلال أيام معدودة لكنها تفاجأت مع حلفائها وفي مقدمتهم أمريكا بأن الشعب اليمني وقواه الثورية بقيادة حركة أنصار الله لا يمكن أن يستسلم للضغوط مهما كانت في سبيل تحقيق إستقلاله ودحر العدوان رغم قلة إمكاناته العسكرية والمادية.
ونتيجة المقاومة الباسلة للشعب اليمني وقواه المسلحة تكبدت السعودية حتى الآن خسائر تقدر بنحو 180 مليار دولار (وفق تقرير نشره موقع سبوتنيك الروسي) أجبرتها على الرضوخ للقبول بالهدنة للمرة الثالثة منذ بدء عدوانها على اليمن في 26 آذار/مارس 2015، ولكنها نقضت هذه الهدنة في المرتين السابقتين بذرائع واهية.
ورغم ميزانيتها العسكرية الضخمة التي تقدر بأكثر من 81 مليار دولار تبدو السعودية غير قادرة على الإطلاق على حسم هذه الحرب لصالحها، خصوصاً وأنها فشلت أيضاً في تحقيق أهدافها في العراق وسوريا رغم دعمها للجماعات الإرهابية في هذين البلدين لاسيّما تنظيم "داعش" وما يسمى بـ "جيش الفتح".
وأدت الهجمات الصاروخية التي شنتها اللجان الثورية التابعة لحركة أنصار الله بمساندة الجيش اليمني إلى إضعاف القدرة العسكرية للقوات السعودية، الأمر الذي أجبر سلطات الرياض أيضاً على قبول الهدنة المؤقتة التي طرحتها واشنطن مؤخراً خصوصاً وأنها جاءت بعد موجة الإنتقادات التي وُجِّهت لولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان من داخل الأسرة المالكة بسبب إدارته الخاطئة للحرب ضد اليمن.
وكان محمد بن سلمان الذي يسعى لإزاحة منافسه ولي العهد محمد بن نايف عن طريقه يعتزم من خلال شن العدوان على اليمن تعزيز موقعه في السلطة، خصوصاً في أوساط القوات المسلحة لكن خططه باءت بالفشل وتحطمت أحلامه وذهبت أدراج الرياح على صخرة الصمود اليمني بقيادة أنصار الله.
والانتصارات التي حققتها حركة أنصار الله على القوات السعودية تمكنت كذلك من تغيير المعادلات الإقليمية والدولية بشأن اليمن، وهذا الأمر قد ظهر بوضوح مؤخراً من خلال دعوة كيري للهدنة، كما أنها أقنعت جميع الأطراف المعنية بضرورة الإذعان إلى حقيقة أن أنصار الله لا يمكن تجاهلها في أيّ طرح سياسي يهدف إلى حل النزاع بين السعودية واليمن من جهة وبين الفرقاء السياسيين في اليمن من جهة أخرى، خصوصاً بعد تشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة شؤون هذا البلد بالتوافق بين أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قدرة السعودية على المناورة السياسية قد ضعفت كثيراً في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد تغيير تركيا الحليفة لها لسياستها في المنطقة والذي ظهر بوضوح من خلال تقاربها مع المحور الروسي - الإيراني وإعلانها الاستعداد لحل الأزمة السورية بالتعاون مع طهران وموسكو، كما أثرت الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري وقوات الدول والأطراف الحليفة لاسيّما إيران وروسيا وقوى المقاومة وفي مقدمتها قوات حزب الله على الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل الرياض في إضعاف قدرة المناورة السعودية إلى حد كبير بعد أن كانت تصر على تغيير حكم الرئيس السوري بشار الأسد طيلة السنوات الخمس الماضية.
ويعتقد المراقبون بأن السعودية باتت تدرك تماماً بأن الجبهات التي فتحتها في المنطقة خصوصاً في سوريا والعراق واليمن بدأت آثارها وتداعياتها تنعكس عليها بشكل سلبي ولم يعد أمامها من سبيل لمواجهة هذه التداعيات سوى القبول بالهدنة في اليمن لتضميد جراحها، ووقف الدعم للجماعات الإرهابية التي لن تتوانى عن مهاجمة السعودية في أيّ وقت بعد أن أدركت أن نهايتها أصبحت قاب قوسين أو أدنى في العراق وسوريا بفضل الانتصارات الكبيرة التي حققتها قوات هذين البلدين على هذه الجماعات خلال الأسابيع الأخيرة.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المراقبين يعتقد بأن اقتراح الهدنة في اليمن الذي تقدمت به واشنطن كان بطلب من السلطات السعودية كي تتمكن من إلتقاط أنفاسها بعد أن تورطت وغرقت حتى أذنيها في الوحل اليمني.