الوقت- من البديهي أن العلاقة الأمريكية الاسرائيلية ليست كعلاقة أي دولتين متحالفتين، انها علاقة وجودية ثبتها التواجد الأمريكي الحتمي في منطقة الشرق الأوسط، خزان المصالح الأمريكية من نفط و غاز و مضائق بحرية طبيعية، فحتى لو أثار الاسرائيلي بعض المشاكل مع أمريكا فان الأخيرة بدورها لن تتخلى عنه مهما حصل بل ستحاول السعي الى حل يرضيه و يحافظ على وجودها بأقل الخسائر. من هذه المسلمة ننطلق لندخل في الشق الثاني، الى الضجة الاعلامية التي صاحبت عزم نتنياهو السفر الى أمريكا لالقاء كلمة أمام الكونغرس، كلمة دعاه اليها الحزب الجمهوري و حذر منها أوباما و فريقه الديمقراطي، الا أن نتنياهو ماض على ما يبدو في الذهاب بعد أن لمس دعما كافيا من الجمهوريين الذين يتطلعون لحكم أمريكا في القريب العاجل.
ومع اقتراب موعد توجهه إلى أمريكا وإلقاء كلمته أمام الكونغرس، يواصل رئيس حكومة الكيانالاسرائيلي بنيامين نتنياهو حملته لتبرير تمسكه بقرار البقاء على هذه الخطوة رغم معارضة الحكومة الأمريكية لها بشدة، فعبر نتنياهو في افتتاح جلسة الحكومة الإسرائيلية، يوم أمس، عن استغرابه من استمرار المحادثات النووية مع إيران، كروتين صار يتكرر مع كل حديث له.
استغرب نتنياهو أيضا من تمسك الأطراف الدولية الكبرى للتوصل الى اتفاق نووي مع ايران رغم الخطر الكبير الذي تشكله على العالم عندما ستصبح دولة قادرة على انتاج القنبلة النووية، مشيرا الى أن الجمهورية الاسلامية الايرانية تحاول تطويق اسرائيل عبر جبهة ثالثة هي الجولان السوري المحتل، فبعد وصولها أي ايران الى حدود الكيان الاسرائيلي شمالا عبر حزب الله و جنوبا عبر حركة حماس، وصلت القوات الايرانية عبر عناصر حزب الله الى الحدود مع الجولان على حد زعمه.
هذه التبريرات لم تكن كافية بالنسبة الى الحكومة الأمريكية التي فعلت ما بوسعها لاقناع نتنياهو بأن عزمه على القاء كلمة يهاجم فيها ايران بالدرجة الأولى هو ضرب من التهور، الا أن نتنياهو و بدعم من الحزب الجمهوري فضل الخلاف مع ادارة أوباما مع ما سيتبعه ذلك من ارتدادات على العلاقة بين الكيان الاسرائيلي و أمريكا على الأقل في الوقت الراهن.
في المقابل، تواصلت الرسائل الامريكية المعبرة عن استياء البيت الأبيض من قرار نتنياهو، إذ نقلت تقارير إعلامية عبرية أنه خلافا للسنوات السابقة، لن يكون خلال إلقاء نتنياهو كلمة أمام مؤتمر «ايباك» السنوي مندوب رفيع المستوى من البيت الأبيض يذكر أنه في المناسبات السابقة، كان كبار مسؤولي البيت الأبيض يحضرون مثل هذا اللقاء، كنائب الرئيس جو بايدن أو وزير الخارجية جون كيري، بل إن الرئيس باراك أوباما حضر المؤتمر في 2012.
وتناولت الصحف العبرية الصادرة اليوم تأكيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عزمه التوجه الى واشنطن في مطلع الشهر المقبل لمخاطبة مجلس الكونغرس الامريكي حول القضية الايرانية نافيا بذلك الانباء التي تحدثت عن احتمال الغاء هذا الخطاب او تأجيل الزيارة.
وكان أوباما قد اعتبر خلال مؤتمر صحافي عقده مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركيل، أن زيارة نتنياهو من شأنها فقط أن تعكر الأجواء في المحادثات بين الغرب وإيران. وأضاف: "لا حاجة لتعكير أجواء المفاوضات، بالذات في مراحلها النهائية".
وقالت مصادر اعلامية اسرائيلية إن منظمات يهودية أمريكية وعلى رأسها “آيباك” تنصلت من زيارة نتنياهو المثيرة للجدل لواشنطن لإلقاء الخطاب الناري أمام الكونغرس من وراء ظهر البيت الابيض وأنها أبلغت الإدارة الأمريكية أن لا علاقة لها بترتيب الزيارة، فخشية اللوبي الصهيوني من توتر العلاقات بين أمريكا و الكيان الاسرائيلي زادت في الاونة الأخيرة بعد البرودة التي أصابت العلاقة الأمريكية الاسرائيلية جراء التناقض في مواقف كل من أوباما و نتنياهو المدعوم من معسكر الجمهوريين في أمريكا، ما انعكس سلبا على عمل اللوبي الصهيوني في أمريكا بعد المقاطعات المتكررة لمسؤولين حكوميين لعمل هذه المنظمات غير الحكومية و التي تلعب دورا محوريا بتنظيم العلاقة بين الطرفين.
ورأى السفير الإسرائيلي السابق في امريكا، والمرشح عن حزب «كلنا» الذي يترأسه موشيه كحلون، أنه إذا قررت الإدارة الأميركية مقاطعة "ايباك"، فإنها تكون عمليا قد قررت مقاطعة الحلف الاستراتيجي مع الكيان الاسرائيلي، واصفاً اللوبي الإسرائيلي في أميركا بأنه "ذخر استراتيجي... ومحظور السماح بالإضرار بهذه المكانة". أما رئيسة حزب "ميرتس"، زهافا غلئون، فاعترضت قائلة (إن نتنياهو جعل إيباك، "اللوبي الإسرائيلي"، رهينة لصراعاته السياسية).
يحاول أوباما أن ينجز الاتفاق النووي مع ايران قبل نهاية ولايته مع ما يمثله هذا الاتفاق من انجاز يضيفه الى سلسلة انجازاته المتواضعة كرئيس أمريكي، أما نتنياهو فيستميت لعرقلة المفاوضات خوفا على أمن الكيان الاسرائيلي كما يزعم أو خدمة لمصالحه الانتخابية كما يرى محللون؛ كون الانتخابات الاسرائيلية صارت على أعتابها.
اذا فالخاسر حاليا هو أوباما اذا استطاع نتنياهو حرف مسار المفاوضات، أما نتنياهو فلن يخسر الكثير في ظل الدعم الجمهوري بل سيظهر نفسه بمظهر الساهر على أمن الكيان الاسرائيلي. مع العلم أن فرضية أن يكون كل ما يجري من أحداث ضمن مسلسل أمريكي-اسرائيلي لعرقلة الاتفاق النووي مع الدول العظمى ليست مستبعدة فمن يقرأ عن العلاقة الأمريكية-الاسرائيلية يدرك أن وراء كل فصل جديد غاية مشتركة لمصالح مشتركة غير قابلة للتجزأة.