الوقت- دوريات متربصة، ميلشيات مسلحة وصور مهينة للاجئين، هذا ما يجري في المجر في الآونة الأخيرة. حتى أن ممثلي المجتمع أذاعوا موقفهم المعادي للّاجئين جهاراً، مؤكدين رفضهم التام لاستقبالهم، وهذا بحسب ما كشفه عمدة مدينة "استاتلم" الواقعة بين الحدود المجرية والصربية، المدينة التي تعد ممرا لعبور المهاجرين إلى أوروبا الغربية.
شرّعت المجر خلافا لمبدأ اقتسام الأعباء عبر توزيع إلزامي "للحصص" علاوة على بولندا والتشيك وسلوفاكيا، اعتقال اللاجئين والتعامل العنيف معهم، لاسيما المارين عبر أراضيها، وفضحت رسالة كتبها "تروجكاي لاسلو" عمدة مدينة استاتلم الصغير والتي لا يتجاوز عدد سكانها الـ 5000 آلاف نسمة، بعنوان "مهاجمون خشنون- ومواطنون مسلحون" دوّن هذا العنوان الفاشي على هامش توضيحي لصورة يظهر فيها ثلاث مهاجرين على بطونهم منبطحين واضعين وجوههم بين أيديهم لتلتصق بالأرض.
وفي صورة أخرى جارحة ضمن ذات السياق، ظهر فيها شاب مجري ينتحل لباسا عسكرياً، وتضيء وقفته إلى مدى تفاخره باعتقاله لـ 5 لاجئين، حاولوا العبور بطريقة غير شرعية من صربيا إلى المجر.
وعلى الرغم من تنديدات منظمة حقوق البشر المتكررة لما يحدث على الحدود المجرية، وإدانتها للتعامل الخشن مع اللاجئين وتحقيرهم وإذلالهم من قبل الميلشيات المجرية. ولكن عمدة "استاتلم" لم يعبأ لكل هذه الدعوات واستمر بنشر الفيديوهات التي يهدد فيها المهاجرين، وواصل دعمه للميلشيات المسلحة المتربصة باللاجئين.
تروجكاي لاسلو، هو ثاني الشخص هيمنةً في أكثر الأحزاب اليمينية تطرفا بالمجر، وهو الذي توعد باصطياد اللاجئين غير الشرعيين علناً في مقر حزبه، مطمئنا أعضاء حزبه بأنه سيضع الأمور تحت سيطرته المطلقة.
ولابد من التنويه إلى أنه تم إغلاق الحدود المجرية-الصربية منذ العام 2015 بيساج حدودي شائك ليكون عقبة بوجه المهاجرين غير الشرعيين.
تشكيل ميلشيا صيادي اللاجئين
يجتمع كل يوم مجموعة من الأشخاص المتطرفون المعادون للاجئين حول بعضهم ليشكلوا ميلشيا مسلحة. وبحسب إدعاءات المجر بأن هذه الميلشيات لم تخالف القوانين بشيء. ولا يمكن اتهامها بأي جريمة لأنها لم تطلق الرصاص من بنادقها حتى الآن.
لا أحد يعلم حتى الآن مالذي يحصل للاجئين بعد اعتقالهم وماهي الإجراءات التي ستتخذها حكومة حاقدة على المهاجرين نسبةً لتصريحات مسؤوليها العلنية، ولكن جلّ ما ندركه بأن العنف هو ما تتعرض له أجسامهم البريئة.
وبسبب تخفي عناصر الميلشيات تحت رداء الأمن والجيش، بات من الصعب على المهاجرين أن يميّزوا الفوارق بين الميلشيا وقوات الأمن.
وكشف الفيديو الذي نشره عمدة مدينة "استاتلم" على اليوتيوب. متوعدا فيه اللاجئين غير الشرعيين باصطيادهم. وظهر في الفيديو العمدة ترافقه هيلوكابتر ودوريات شرطة وموتورات وأحصنة للقوات الخاصة، تلاحق 50 لاجئا ً. ويلقي في نهاية الفيديو عمدة المدينة خطابا لمّاعا محرّضاً: اذا كانت لديك النيّة في عبور أوروبا الشرقية للوصول إلى أوروبا الغربية، فإن المجر اختياراً سيئاً، واستاتلم من أسوأ الخيارات، لا تستمع لما يقوله المهربين.
وفشلت دول الاتحاد الأوروبي خلال العديد من الاجتماعات التي عقدت في بروكسل، في الاتفاق على توزيع حصص اللاجئين الذين اقترحتهم المفوضية. وكانت المجر من ألدّ المعارضين لمبدأ التقاسم الملزم.
ومعلوم أن دول مجموعة فيسغراد (التشيك والمجر وسلوفاكيا وبولندا) توافقت العام الماضي على رفض مبدأ الحصص التلقائية للاجئين، بينما اقترحت براغ وبراتيسلافا إقامة ممر للسوريين بين المجر وألمانيا.
وبعد هذا الاستقبال المهين لللاجئين الفارين من الحروب الدائرة في بلدانهم، عبّرت رئيسة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، إيلينا فالنسيانو، عن حزنها بهذا الخصوص قائلةً: كانت استجابة أوروبا للأزمة مشينة، لقد فشلنا تماما في دعم من هم في أمس الحاجة لحمايتنا. فبدل أن نجد الطرق القانونية الآمنة لوصول اللاجئين إلى البلد الذي اختاروا اللجوء إليه نتركهم فريسة للمجرمين والمهربين.
وتضيف: هذه هي أكبر أزمة إنسانية نواجهها في أوروبا منذ خمسين عاما، ولدينا القدرة على التعامل معها ولكن ذلك بحاجة إلى إرادة سياسية ولا يمكن تضييع أي يوم، علينا أن نعمل معا.
15سبتمبر/أيلول 2015 يوم فاصل في أزمة اللجوء إلى أوروبا، ففي هذا اليوم أدخلت سلطات المجر إجراءات غير مسبوقة في التعامل مع اللاجئين، كان برلمان بودابست قد أقرها في وقت سابق من الشهر ذاته.
وتنص الإجراءات على اعتبار أي طالب لجوء ينجح في دخول أراضي المجر متسللا يعرّض نفسه لعقوبة السَّجن ثلاثة أعوام. وبدلا من تجميع اللاجئين في معسكرات داخل البلاد للنظر في أوضاعهم أو تسهيل عبورهم إلى النمسا أو ألمانيا، سيتم البت في طلبات لجوئهم على الشريط الحدودي مع صربيا، على غرار ما تفعله أستراليا التي تنظر في طلبات اللاجئين وهم في عرض البحر.
تأتي هذه الإجراءات -التي تشمل أيضا عقوبات على المهربين- بعد الانتهاء من إقامة حائط ثان من الأسلاك الشائكة بارتفاع أربعة أمتار على كامل الحدود مع صربيا البالغ طولها 175 كلم ونشر 3800 جندي على طول الحدود، ناهيك عن الميلشيات المسلحة التي تم تجنيدها من قبل الأحزاب اليمينية، حيث أجروا مطلع سبتمبر أيضا تدريبات عسكرية.
السياسة المجرية المتشددة تجاه قضية اللاجئين تستمد قوتها الداخلية من قوة التيار اليميني داخل البلاد منذ انتخابات عام 2014 التي منحت أغلبية لهذا التيار بواقع 140 مقعدا مقابل 40 فقط لتياري اليسار ويسار الوسط..
كما تستمد السياسة المجرية قوتها من تضامن إقليمي مثلته مجموعة فيسغراد، وهي تجمع إقليمي يضم -إلى جانب المجر- كلا من التشيك وسلوفاكيا وبولندا كان قادتها قد عقدوا في 4 سبتمبر/أيلول الجاري قمة في براغ توافقوا في ختامها على رفض مبدأ إلزامية حصص اللاجئين التي تسعى ألمانيا وفرنسا إلى إقرارها ضمن الاتحاد الأوروبي وفرضها على أعضائه الـ28.
الشاحنة التي عثر على 71 جثة للاجئين فيها في النمسا في أغسطس 2015
بدأت مشكلة اللاجئين تكبر، وتحولت إلى أزمة فرضت نفسها على المشهد الدولي منذ عام 2013، بعدما تجاوز عدد اللاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخليا في العالم خمسين مليون شخص للمرة الأولى منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن القوى الكبرى، ومنها الاتحاد الأوروبي، لم تتحرك إلا بعدما باتت تدق أبوابها أمواج اللاجئين الهاربين من ويلات الحرب في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها، ونقلت بعض وسائل الإعلام صورا من المعاملة اللاإنسانية لهم وخاصة في المجر.
وشكلت صورة جثة الطفل السوري أيلان (ثلاث سنوات) ممددا على وجهه بسواحل تركيا و"شاحنة الموت" أو "العار" كما يسميها النمساويون، نقطة التحول الحقيقي والمفصلي في الموقف الأوروبي.
فالطفل غرق ووالدته وأخوه في البحر بعد انقلاب قارب كانوا مع آخرين يسعون الوصول به إلى اليونان، وأما الشاحنة فكانت براد دجاج ( تحمل شعار شركة دواجن سلوفاكية ) تكدست فيها 71 جثة (59 رجلا وثماني نساء وأربعة أطفال) ووجدتها الشرطة النمساوية على جانب طريق عام شرقي البلاد قرب العاصمة يوم 27 أغسطس/آب 2015 وبها وثائق سفر سورية بين الجثامين.