الوقت- عند الحديث عن التراجع الإقتصادي للدول الخليجية ودخولها في حالة من العجز الذي تعانية اليوم لأول مرة في تاريخها، يخرج المحللون لطرح الموضوع من وجهة نظرٍ إقتصادية، تتناول مسألة النفط لا أكثر. لكن الحقيقة تكمن في أن السبب الرئيسي لتراجع إقتصاديات هذه الدول، لا يعود فقط للنفط، بل لإستراتيجية أمريكا في نقل قدرتها من دولة بحاجة للواردات النفطية، الى قوة متحكمة بصادرات الطاقة، وصولاً الى القدرة المستقبلية على فرض أسعارها العالمية. وهو الأمر الذي بدأت به أمريكا منذ عام 2005، ضمن إستراتيجية تهدف لمواكبة هيمنة الصين الإقتصادية، وقوة روسيا الصاعدة، وتعاظم قدرة إيران النووية. وذلك من أجل إبقاء نفسها في مركز المُهيمن على العالم. فكيف ساهمت إستراتيجية واشنطن في ضرب إقتصاد الدول الخليجية؟ وما هي التحديات المتوقعة على الصعيدين الإقتصادي والسياسي لهذه الدول؟
أسباب أزمات الدول الخليجية على الصعيد الإقتصادي
يمكن الإجابة على الشق المتعلق بالسبب وراء الأزمات التي تعاني منها الدول الخليجية اليوم، بالإضاءة على سببين رئيسيين. وهما:
أولاً: العجز في الموازنات، نتيجة تراجع أسعار النفط. حيث لم تعرف الدول الخليجية لا سيما السعودية والكويت، عجزاً كما يحدث اليوم. حيث بلغ العجز الذي تعاني منه الرياض اليوم، مائة مليار دولار، فيما تعاني الكويت من عجزٍ يزيد عن 15 مليار دولار لأول مرة منذ خمسة عشر عاماً. في حين كان النفط وتقلبات أسعاره، السبب وراء هذا العجز، خصوصاً بعد أن أجبرت السعودية الدول الخليجية في السير بسياساتٍ لا تتناسب مع المصلحة الخليجية، ولأسباب سياسية فقط.
ثانياً: الإكتفاء الذاتي الأمريكي في مجال الطاقة. حيث تقوم واشنطن ومنذ عام 2005، بتطوير سياستها من الحاجة للطاقة، وتحويل استراتيجيتها من الإعتماد على الواردات نحو السعي لتقوية الصادرات من مصادر الطاقة الخام. وذلك عبر تعزيز إنتاج النفط الصخري، والعمل على فرض التنوع في إستخدام مصادر الطاقة كالفحم بدلاً من الغاز الطبيعي، الى جانب البحث عن بدائل كالطاقة النووية، وطاقة الرياح والشمس. والسبب الحقيقي وراء ذلك ليس فقط العامل الإقتصادي، بل هو عامل السعي الأمريكي من أجل إبقاء القدرة الأمريكية في الهيمنة على العالم. لا سيما في ظل إقتصاديات قوية كالصين، وروسيا، ودول صاعدة كإيران.
الدور الأمريكي وتهديد مستقبل الدول الخليجية
تعتمد الدول الخليجية على عائدات النفط، في تأمين موارد الخزينة، من أجل توفير الخدمات للمواطنين. وهو الأمر الذي جعلها تدخل دائرة الخطر، حيث ليس لديها موارد بديلة. فيما يُعتبر التوجه الأمريكي للإكتفاء، أحد أهم عوامل التأثير في ضرب إقتصاديات الدول الخليجية. فكيف يرتبط صعود أمريكا في مجال الطاقة، بتهديد مستقبل الدول الخليجية؟
- تسعى واشنطن للوصول خلال السنوات العشر المقبلة، الى المستوى الذي يمنحها القدرة على التحكم بأسعار سوق النفط العالمية. وهو ما سينعكس على علاقة أمريكا بالدول الخليجية، خصوصاً لإمكانية واشنطن المستقبلية في التحكم بإقتصاديات الدول الخليجية، وبالتالي التأثير السياسي عليها بطبيعة الحال. وهو ما تعتمده أمريكا في سياستها الدولية، حيث تبني سياساتها إما لمصالح مشتركة أو عبر جعل نفسها حاجة للآخر.
- من الناحية الأخرى، فإن إتفاقية الأمن مقابل النفط، لم تعد مهمة بالنسبة لأمريكا والغرب، تحديداً فرنسا وبريطانيا. فقد كانت واشنطن بالإضافة الى دول غربية أخرى، تقوم بتأمين الأمن لهذه الدول، عبر بناء قواعد عسكرية في منطقة الخليج الفارسي، خصوصاً خلال تسعينات القرن الماضي. لكن إنهيار إتفاقية النفط مقابل الأمن، وخروج واشنطن من المنطقة نحو مناطق الهادئ، قد يُهدِّد ضرورة إستمرار المصالح الحيوية لأمريكا في الشرق الأوسط، ولن تعود الدول الخليجية من ضمن المنظومة الدفاعية الأمريكية. وهو ما يُشير لها مراقبون. فيما يقول آخرون بأن هذا هو السبب في التوجه الخليجي لتقوية العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، الطرف المُخول وكالة المنطقة بالنيابة عن أمريكا.
كيف سيؤثر الإقتصاد على السياسية؟
بعد الحديث عن الجانب الإقتصادي، مخطىءٌ من يظن أن واشنطن لم تقف عند الجانب السياسي في علاقتها مع الدول الخليجية مستقبلاً. فكيف ستفرض واشنطن سياساتها؟
أولاً: الخروج من الحاجة لمصادر الطاقة في المنطقة العربية. وهو الأمر الذي يبدو واضحاً في كلام المسؤولين الأمريكيين. فالكلام يدور عن أنه وخلال السنوات المقبلة، ستُصبح أمريكا مُكتفية من إنتاجها، وبالتالي لن تعود بحاجة لمصادر الطاقة في المنطقة. كما أنها اليوم، تعتمد على كندا والمكسيك وفنزويلا بنسبة 85%، وتحصل على الباقي من الشرق الأوسط. وهو ما يدعمه تصريح الرئيس التنفيذي لشركة "إيكسون موبيل"، "ريكس تورولسون"، والذي قال بأن أمريكا دخلت عصراً جديداً من الطاقة، حيث لم تعد بحاجة لإستيراد النفط من الشرق الأوسط الذي يفتقد الإستقرار، ولم تعد تقلق من روسيا وسياساتها المناورة.
ثانياً: جعل الدول الخليجية عاجزة. وهو ما يجعلها راضخة لما تطلبه واشنطن، دون الحاجة لمواردها. الأمر الذي يجعل العلاقة بين الطرفين، علاقة بعيدة عن إمكانية الإبتزاز من قبل الطرف الخليجي. وهو ما يمكن تحقيقه من خلال جعل هذه الدول مدينة، وبالتالي يمكن لأمريكا إفلاسها ساعة تشاء. مما يعني أن خضوع هذه الدول للسياسة الأمريكية بالإختيار اليوم، سيُصبح بالقوة الإقتصادية قهراً في المستقبل.
تعيش الدول الخليجية اليوم تحدياتٍ لا يتم الحديث عنها لأسبابٍ تتقاطع مع إمتلاك الدول نفسها لأكبر منابر الإعلام العربي. لكن الخبراء يُحذرون من أن الإنهيار المفاجئ، هو ما سيحصل. فعلى الرغم من سياسات الدول الخليجية التقشفية، إلا أنها لن تستطيع الإستمرار، خصوصاً بعد أن يُحقِّق الطرف الأمريكي إكتفاءه ويستغني عن موارد المنطقة. لنقول أنه هكذا أمعنت أمريكا في ضرب إقتصاد الدول الخليجية، لمصالحها خاصة.