الوقت- تعتبر "حكومة القانون" مفهوما يستخدمه في الغالب دعاة الحرية وحقوق الإنسان أمام الحكومات المستبدة لكن هذه الحكومات ايضا تستخدم هذا اللفظ وترفعه شعارا دون الإلتزام به، وفي هذا الإطار فقط يندرج موضوع إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم في البحرين.
ان القانون والمعايير الدولية المعاصرة تعتبر إمتلاك الجنسية حقا إنسانيا يرتقي الى مستوى حق الحياة والحريات المدنية والسياسية وان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة الوثائق الحقوقية الدولية المتعلقة بالجنسية تمنع الحكومات عن إسقاط الجنسية بشكل إستبدادي.
ان إسقاط الجنسية ليس ممكنا إلا عن طريق الأدوات الرسمية للسلطة فلا يمكن ان نتصور ان مواطنا يمكنه ان يسقط جنسية مواطن آخر بل ان هذه العملية تتم على يد مؤسسات الحكم مثل الوزارات أو قادة الدول، وفي الحقيقة إذا لم يستطع القانون الدولي إرواء عطش الحكومات لحفظ سلطتها بالكامل لكنه أوجد توازنا في هذا المجال وإعترف بحق التمتع بالجنسية كحق مبدئي للبشر وإعتبر ان اسقاط الجنسية لن يكون ممكنا إلا في إطار التعهدات القانونية الدولية للحكومات، وهناك حكومات قد حذفت أصلا إمكانية إسقاط الجنسية من قوانينها مثل ايران.
ونظرا لما شرحناه فإن إسقاط الجنسية من دون إكمال المراحل القانونية المنصوص عليها في القوانين الداخلية أو التعهدات الدولية مع عدم إمكانية الدفاع أو الإستئناف من قبل الأشخاص يعتبر إجراء تعسفيا.
وفي الحقيقة فإن الدستور البحريني وقانون الجنسية في هذا البلد قد حددا شروطا خاصة لسحب الجنسية عن المواطنين البحرينيين لكنهما لم يلاحظا ولم يحددا شروط ضمان وجود عملية منصفة وعادلة للتأكد من قانونية أو تعسفية إسقاط الجنسية، وفي المقابل يبدو ان المشّرع البحريني يخشى فقط تضييع حقوق السلطة! ولذلك تقرر في المادة 11 الملحقة بقانون الجنسية إن إعادة الجنسية إلى الأشخاص الذين أسقطت جنسياتهم ليست ممكنة إلا بقرار قضائي وإن هذا القرار ليس ملزما لوزارة الداخلية إلا إذا كانت هذه الوزارة هي التي طلبت طرح القضية! نعم، لامجال للإستغراب لأن الحكومات المستبدة لاتعترف بأي حق للمواطنين بل تعتبر الإمتيازات عطاء وتفضلا حكوميا للمواطنين ويمكن للحكومة أن تحرمهم منه في أي زمان وبأية ذريعة وهذا هو الإستغلال السيء لمفهوم "حكومة القانون"، وفي الحقيقة فإن القانون هو فقط أداة يستخدمها الحكومات المستبدة لتحقيق غايات وأهداف شخصية للحكام.
ان التعهدات الدولية للحكومة البحرينية فيما يخص موضوع الجنسية تشمل القوانين الدولية العرفية التي تندرج تحتها المادة 15 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية لاهاي 1930 حول مفارقات قوانين الجنسية وإتفاقية 1961 لتقليص حالات فقدان الجنسية وكذلك مسودة الإتفاقية المتعلقة بالجنسية فيما يخص نيابة الحكومات (1999) والتي تنص على حق الجنسية ومنع فقدان الجنسية ومنع سحب الجنسية بشكل تعسفي وضروة الخضوع لمسار قانوني تحت سيادة القانون، وقد تكرر هذا الأمر في العديد من الوثائق الأخرى، بالإضافة الى المادة 29 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي إنضمت اليه الحكومة البحرينية منذ عام 2006.
وحسب البند الأول من المادة 29 للميثاق العربي "لكل شخص الحق في التمتع بجنسية ولا يجوز إسقاطها عن أي شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني "، وتتضمن هذه المادة إضافة إلى مصطلح التعسف كلمة "غير قانوني" أيضا. إن أي نوع من إسقاط الجنسية يخالف القوانين الداخلية أو الدولية يعتبر تعسفيا بشكل تلقائي، وبعبارة أخرى فإن التعسف الذي يشمل أمورا مثل عدم مراعاة معايير القضاء العادل يتخطى قضية عدم قانونية قرر إسقاط الجنسية. إن أمورا مثل رأي وزارة الداخلية (التي تعمل حسب إرادة الملك) هي من القضايا التي تؤدي الى عدم مراعاة العدل وممارسة التعسف في إسقاط جنسية المواطنين البحرينيين.
ومن جهة أخرى فإن التهم المنسوبة إلى الشيخ عيسى أحمد قاسم لم يتم إثباتها في المحاكم المستقلة وحسب تقارير المؤسسات الإنسانية المستقلة مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش فإن مصاديق إسقاط الجنسية والمحاكمات في هذا البلد فيما يخص القادة السياسيين والدينيين تعتبر خلافا للأعراف الدولية والقضاء العادل أو إن مبررات إسقاط الجنسية عنهم لم يتم تحديدها بشكل واضح.
وفيما يخص موضوع إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم يبدو أولا ان المبادئ القانونية الداخلية استخدمت للتغطية على ممارسة التمييز بحقة بسبب مواقفه السياسية، كما يبدو ثانيا انه ليس فقط لم يتم مراعاة منهج الإنصاف بحقه بل إن هذا المنهج ليس موجودا في الأساس في القانون البحريني، ونظرا الى سياسة محكمة العدل الدولية في قضية ديالو التي تنص على ضرورة اتباع القوانين الداخلية وعملية تطبيقها للتعهدات الدولية للحكومة فيمكن القول ان القانون الداخلي التي تم تنفيذه في هذه القضية ليس معتبرا ومعترفا به من قبل القانون الدولي.