الوقت - خرجت الصحف العبرية لتفضح المباحثات السرية بين الأنظمة العربية والسلطات الإسرائيلية، حول إعادة حقوق يهود عرب، لأملاك لهم في الدول العربية. وهو ما استدعى الكثيرين للوقوف عند الموضوع، من بوابة الغيرة العربية التي لم تطالب يوماً بحق الشعب الفلسطيني الضائع منذ سنوات. فماذا في المباحثات الجارية بين الکيان الإسرائيلي ودول عربية؟ وكيف سنَّت تل أبيب قوانين نهب الحق الفلسطيني؟ وما هي دلالات ذلك؟
"هآرتس" تفضح المساعي العربية الإسرائيلية
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أمس، تقريراً عن اليهود العرب الفارين من الدول العربية، وخصوصاً مصر، ومطالباتهم باستعادة أموالهم بعد ما يقارب السبعين عاماً من خروجهم من مصر. وكشفت الصحيفة عن وجود إتصالات سرية تجري بين مصر والأردن والكيان الإسرائيلي، للخروج بإتفاق حول استعادة تل أبيب لأموال تركها اليهود بمصر والأردن منذ زمن بعيد. فيما أوضحت المصادر الإسرائيلية، أن جهات عربية وافقت على تعويض اليهود الذين غادروها وتركوا أملاكهم، وذلك خلال شهر أو شهر ونصف كحد أقصى.
وقالت إحدى اليهوديات الفارات من مصر "عيدا أهروني"، إنها سمعت منذ ثلاثة أسابيع أنباء مؤكدة تفيد بوجود اتصالات سرية بين مصر والكيان الإسرائيلي، لاستعادة أملاك وأموال تركها يهود مصر قبل هجرتهم إلى فلسطين عام 1948 وفيما بعد ذلك. وأوضحت أنها سمعت عن الموضوع في لجنة الهجرة والاستيعاب البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي، وأن مدير عام وزارة المساواة الإجتماعية "آفي كوهين" أكد خلال الجلسة نضوج المداولات مع الجانب المصري خلال شهر. وذكرت أهروني لـهآرتس، أن عائلة "يديد" التي تنتمي لها، أقامت في القاهرة إلى أن بادرت السلطات المصرية في 1948 لإلغاء تراخيص عمل والدها تاجر الدقيق والبهارات "نسيم يديد"، رداً على ما تعرض له الفلسطينيون في نكبة 1948. الأمر الذي دفع والدها للجوء للأراضي المحتلة، لبناء حياة جديدة له.
من جانبها، أكدت وزيرة المساواة الإجتماعية الإسرائيلية، "جيلا جملئيل" أن السرية الكبيرة التي تحيط بالقضية مردها الخوف من تسريب معلومات. وأبدت الوزيرة الإسرائيلية ثقتها بأن تثمر المداولات السرية مع جهات عربية بهذا المضمار عن نتائج ذات وزن جوهري تتيح لاحقا استعادة الأملاك اليهودية!
"قانون الغائبين" ونهب حقوق الفلسطينيين في ظل تخاذل الدول العربية
في ظل الحديث عن المفاوضات التي تجري بين الطرفين الإسرائيلي والعربي من أجل إعادة أملاك يهودية، يُطرح من جديد ملف "قانون الغائبين" المُجحف بحق الشعب الفلسطيني. فما هو؟
أقرت تل أبيب عام 1950 قانوناً يُسمى "أملاك الغائبين"، لتتمكن من مصادرة عقارات الفلسطينيين ضمن ما تعتبره (حدود الدولة العبرية)، والتي تعود ملكيتها بالأصل، للفلسطينيين ورعايا الدول العربية. وهو الأمر الذي يجعل قضية النفاق العربي وتخاذل الأنظمة العربية تتفاعل بشكلٍ أكبر. فهذا القانون يقوم على مبدأ شرعنة سرقة وإستيلاء السلطات الإسرائيلية، لحقوق الشعب الفلسطيني. فيما نجد اليوم مداولات تجري بين العرب والكيان الإسرائيلي، لإعادة أملاكٍ يهودية، دون التطرق لحقوق الفلسطينيين. ولإثبات ذلك، ننقل ما يُورده القانون حرفياً، حيث يتضح حجم الإستهانة بالحق الفلسطيني، دون وجود رقيب أو حسيب:
"إن من له أملاك وأراض من الفلسطينيين ورعايا الدول العربية الذين مكثوا في البلاد العربية منذ 29 تشرين الثاني 1947 أو خارج حدود (إسرائيل) فإن أملاكهم تُنقل إلى سلطة القيم على أملاك الغائبين". وهي العبارة التي يُبرِّر فيها الكيان الإسرائيلي سن القوانين واعتماد الأنظمة التي تمنع أصحاب الأرض الأصليين من العودة إلى ممتلكاتهم، وبالتالي مصادرة وجرف آلاف الأراضي الفلسطينية، وهدم المئات من منازلهم، وبناء العشرات من المستعمرات اليهودية.
المظلومية الفلسطينية: تخاذل الأنظمة العربية المقصود
لا شك أن عدداً من الأمور يجب الوقوف عندها، من أجل الإيفاء بحق الفلسطينيين، وهنا نقول التالي:
- تُعتبر الجهات العربية والتي تجد نفسها مُضطرة للتفاوض مع الكيان الإسرائيلي وتُبرِّر لنفسها ذلك، مسؤولة عن نهب وسرقة سلطات الإحتلال لحقوق الشعب الفلسطيني لا سيما الداخلية. وذلك على إعتبار أنها تُغيِّب الحق الفلسطيني عن أي نقاش أو مطالبة. في حين نؤمن أن المقاومة هي خيار الشعب الفلسطيني الوحيد، وليس هناك أي مجال للتفاوض مع الكيان الإسرائيلي.
- تتعامل الأنظمة العربية المتخاذلة، لضمان استمراريتها، والتي للأسف تتطلَّب إرضاء الكيان الإسرائيلي، ومن خلفه الطرف الأمريكي، والذي من دون ذلك، سيُعيق مستقبل هذه الأنظمة، ولو أن بقاءها قد يتناقض مع مصلحة وخيارات شعوب المنطقة.
- يبدو جلياً اليوم، أن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وتحديداً منذ النكبة عام 1948، هو بمشاركة عربية، بسبب التهاون المقصود من قبل هذه الأنظمة، منذ ذلك الوقت، في إبقاء حقوق الشعب الفلسطيني، لا سيما حق العودة وحق إستعادة الأرض، ضائعاً. وذلك لحسابات خاصة، لا تتوافق مع مصلحة شعوب المنطقة، بل لخدمة المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
المقاومة: خيار الفلسطينيين الوحيد
من خلال ما تقدم، ما هي الدروس المستفادة؟
- إن التاريخ الطويل للسياسة العربية المتخاذلة، يُثبت أن هذه الجهات العربية لا يمكن أن تكون مؤتمنة على حقوق الشعوب العربية والإسلامية. وهو ما يجعل من الضرورة، توحُّد الشعوب، والتحامها، لتحقيق أهدافها، ومنع المؤامرات التي تُحاك لها.
- تُشكل المقاومة الخيار الوحيد، لإعادة الحقوق، وليس المفاوضات. حيث أن تاريخ مباحثات السلام المُدَّعاة، لم يكن يوماً في صالح الشعب الفلسطيني. بل كان دائماً لصالح السياسة الأمريكية، والمصالح الإسرائيلية. فيما كان يخدم فقط، إستمرار الأنظمة العربية.
- يُعتبر محور المقاومة اليوم، الطرف القادر على إرساء معادلات الردع، وإعادة حقوق الفلسطينيين كافة، والتي تتعلق بالعودة والأرض، وهو ما تقوم به المقاومة الفلسطينية الشريفة.
إن قيام بعض الجهات العربية بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، يُعتبر استمراراً للنهج العربي المتخاذل. في حين يتساءل الكثيرون عن سبب الخدمة التي يقدمها هؤلاء للكيان الإسرائيلي. وهل أضحت الغيرة العربية مُسخَّرة لإعادة أملاك اليهود؟ فأين أملاك العرب والفلسطينيين الضائعة؟