الوقت - لا تزال لغة السلاح تعلو فوق كل الأصوات في الأزمة اليمنية. لغة روّج لها التحالف بوتيرة عالية خلال المفاوضات الجارية في الكويت، والتي يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود، حيث حاولت السعودية فرض أجندتها تارةً عبر معركة صنعاء، وأخرى في تعز وحرض، ليستقر بها الحال في مواجهة المدنيين في قرية الصراري التي تتعرّض لإبادة جماعية غير مسبوقة، إضافةً إلى إعتقال أكثر من 120 مدني.
وقد حاولت قوى العدوان إنتهاز وقف المفاوضات بعد شهر رمضان، لتحقيق الإنتصارات الميدانية، إلا أن عودتها بعد 15 يوماً من هدنة المفاوضات ومعارك الميدان، إلى طاولة الكويت خالية الوفاض دفعها للتلويح بوقف المفاوضات محاولة الضغط على الطرف اليمني الذي قدّم ملحمة سياسية تليق بالإنتصارات الميدانية للجيش واللجان الشعبية على مختلف الجبهات.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد مرور حوالي سنة وأربعة أشهر على العدوان في ظل مراوحة التحالف مكانه، هو كيفية نجاح اليمنيين في الصمود والمقاومة، لا بل تحقيق الإنتصارات رغم قلّة الإمكانات وكثرة التحديات.
لا يمكن أن ننسب النجاحات اليمنية لضعف التسليح السعودي والإماراتي فقد أنفقت الرياض في العام الماضي (2015) أكثر من 80 مليار دولار أمريكي على التسليح لتحل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الإنفاق العسكري بعد أمريكا والصين، كما أن الإمارات قد أبرمت الشهر الجاري فقط مع وزارة الدفاع الأمريكية صفقة تبلغ قيمتها 785 مليون دولار، وتشمل 14640 قنبلة ومعدات توجيه وذخائر أخرى، لذلك هناك عوامل أخرى ساهمت في هذه الإنتصارات، أبرزها:
شراسة المقاتل اليمني
ساهمت الأوضاع المعيشية الصعبة لليمنيين وشجوبة العيش في الوقوف بصلابة أمام تهديد التحالف وطائرات العدوان، كما أن وجود أكثر من 53 مليون قطعة سلاح في أيدي اليمنيين من أبرز العوامل التي كرّست المعارك في "جبهة ما وراء الحدود"، في حين أن قوات التحالف إستعانت بقوات هادي لتحقيق بعض الخروقات في الداخل اليمني. كذلك، فإن إعتماد الجيش واللجان على الإمكانات الداخلية وتطويرها بأيدٍ وطنية على شاكلة "زلزال 3" عزّز من إنتصاراتهم.
عدم الخبرة لـ"جيش الكبسة"
لا شك في أن عدم وجود خبرات عسكرية للجيش السعودي تعد من الأسباب الرئيسية للفشل الميداني، فـ"جيش الكبسة"، كما يطلق عليه أبناء الجيش واللجان الشعبية، فشل في تحقيق الخروقات والإستفادة من التسليح النوعي. يعلق أحد المراقبين على هذه النقطة بالقول: رغم عدم وجود بعض الخبرات العسكرية لدى الجيش السعودي، إلا أن هناك قناعة لدى وزارة الدفاع بعدم الزج بهم في معارك حامية طالما هناك بديل يمني، أي من قوات هادي.
فشل السعودية الإقليمي
تدرك السعودية جيداً واقعها العسكري من الناحية القتالية، ولعل هذا ما يفسّر لجوءها منذ اليوم الأول للعديد من الدول الإقليمية، مثل تركيا وباكستان ومصر، إلا أن "خذلان" هذه الدول "للحليف السعودي" رغم الزيارات المتكرّرة لوزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان زاد من الطين السعودي بلّةً. السعودية باتت مجبرة على اللجوء للسودان ومنظمة "بلاك ووتر" التي حزمت أمتعتها عندما أصبح ميزانها التجاري خاسراً، أي أن التكلفة البشرية أكبر من الأموال التي تتلقاها.
ضعف هيكلية المرتزقة وتشتت القيادات
تلعب الهيكية دوراً بارزاً في القضاء على طموحات الرئيس المستقيل الذي يعيش صراعات علنية وخفيّة مع حلفائه، سواء في حكومة خالد بحاح أو مع المعارضة الجنوبية، فضلاً عن القوّة الإماراتية. ولعل إصرار هادي على إدارة الملف بتفاصيله من فندقه في الرياض أدى إلى ضعف القوات التابعة له، وتسبّب بتشتّت المرتزقة حيث لم يعد هناك إطار واضح لهيكلية عملهم، فمنهم من يدين بالولاء لهادي، وآخرين لبحاح، وآخرين للقيادات العسكرية، غير أولئك الذين يقاتلون مع اللواء محسن الأحمر.
التلاحم الشعبي والبصيرة السياسيّة
يعد التلاحم الشعبي والوقوف جنبا إلى جنب أحد أبرز الأسباب في الصمود وتحقيق الإنتصارات. إن كافّة المحافظات التي وقفت وقفة رجل واحد لا زالت عصيّة على السعودية ومرتزقتها، كما أن الوعي السياسي لأبناء الشعب اليمني في تحديد الصديق والعدو، ومعرفة التبعات التي ستقع على كاهلهم فيما لو وصلت السعودية إلى صنعاء تسبّب في النفير إلى الجبهات لدرء خطر أكبر سيحلّ بهم لو تقاعسوا. وفي الحقيقة، إن هذه الخطوة بالذات حالت دون وصول الشعب اليمني إلى ما يعانيه الشعب السوري، فاليمنيون لم يحتاجوا لقوات حليفة، بل يواجهون مرتزقة الداخل وأعداء الخارج، على حد سواء.
نجاح النموذج الجديد
لا ريب في أن نجاح النموذج الأمني الذي كرّسته قوات الجيش واللجان الشعبية في صنعاء والعديد من المحافظات التي تقع تحت سيطرتها، بخلاف الواقع الأمني في المحافظات التي تسيطر عليها القاعدة وقوات هادي، أفضت إلى نوع من الرضى الشعبي الذي عزّز من مكانة "أنصار الله" و"المؤتمر الشعبي العام". كما أن التعامل الإنساني سواءً مع المعتقلين الذين أطلق سراحهم، أو جرحى المرتزقة الذين يتعالجون في المستشفيات الحكومية، مقابل العديد من حالات الإعدام والتمثيل والقتل الجماعي لقوات هادي رفع مستوى الرضى الشعبي إلى مستوى غير مسبوق.