الوقت- كثيرة هي التساؤلات عن تبعات الإنقلاب التركي الفاشل. ورغم أن الملفات الداخلية تستحوذ على المساحات الكبرى التي يتحرّك خلالها الرئيس رجب طيّب أردوغان، إلا أن الخارج التركي لن يكون بعيداً عن "الثأر الأردوغاني" في ظل بروز مؤشرات على إستدارة إقليمية قد تصل إلى الـ180 درجة.
داخلياً، بدا واضحاً موقف أردوغان حيث يعمل على توظيف نتائج الإنقلاب الفاشل لتصفية كافّة الخصوم، من ثبت ضلوعهم بالانقلاب ومن لم يثبت، فقد طالت قرارات أردوغان الثأرية حتى الساعة أكثر من 70 ألف موظف، يتوزّعون بين الشرطة والجيش والقضاء و وزارتي الداخلية والأمن، الجامعات والمدارس والمؤسستين الدينية والإعلامية.
لن يكتفي أردوغان عند هذا الحد، بل سيذهب بعيداً في ثأره من الخصوم حتى أن الأمر قد يصل إلى إنزال عقوبة الإعدام بحقّ المتورطين بالإنقلاب في حال وافق البرلمان على ذلك، وفق ما أوضح أردوغان في أول مقابلة إعلامية أجراها مع الصحافة، ناهيك عن محاكمة "غولن" الذي طالب بتسليمه.
خلاصة التداعيات الداخلية تنحصر بين أضلع ثلاث، الأول "حملة تطهير" واسعة في المؤسسات التركية لتثبيت دعائم حزب العدالة والتنمية الذي تراجع في الإنتخابات الأخيرة رغم فوزه. الضلع الثاني يهدف لتحويل تركيا من دولة ذات نظام برلماني إلى دولة تتركز فيها النفوذ بسلطة الرئاسة، وربّما يكون الجيش أحد أبرز مفاتيح هذه السلطة عبر ربط قرارته بوزراة الدفاع خلافاً لما هو قائم اليوم، وتكتمل أضلع المثلث الداخلي في الملف الكردي الذي سيكون المستهدف التالي في "حملة التطهير"، إلا أن تريث أردوغان ليس عبثياً في أكثر الملفات إزعاجاً له، بل ينتظر ترتيب بعض الملفات الخارجية المتعلّقة بهذا الشأن للإنقضاض عليه قريباً.
90 درجة أو 180؟
لن تكون سياسة تركيا الخارجية بعيدةً عن تداعيات الإنقلاب الفاشل، وهذا ما بدا واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية حيث هدّد الناتو بسحب عضوية تركيا من الحلف، في حين هددت فرنسا عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي، فضلاً عن العلاقات المتأزمة بين واشنطن وأنقرة بعد معلومات عن ضلوع الأولى في الإنقلاب، علاقة حاول أوباما معالجتها بالأمس في إتصال هاتفي مع أردوغان، وظهرت إحدى معالمها في بيان البيت الأبيض الذي أعلن أنه يدرس خيارت تسليم "غولن" للسلطات التركية.
لطالما إعتدنا أن يذهب أردوغان في عدائه إلى النهاية، بدءا من سوريا والصلاة في المسجد الأموي، مروراً بالكيان الإسرائيلي وسفينة مرمرة وصولاً إلى روسيا وإسقاط طائرة السوخوي، فهل سيفعل ذلك قريبا؟
للإجابة على هذا السؤال، الذي قد يرسم معالم شرق أوسط جديد تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن خلاف تركيا الأبرز مع أمريكا التي إتهمتها وسائل الإعلام التركية بالوقوف خلف الإنقلاب، مشيرةً الى خطة السي اي ايه لتقسيم تركيا وايجاد حكومة كردية مستقلة في الشرق الاوسط.
ثانياً: جاء الإنقلاب في خضام عودة العلاقات التركية الروسية إلى سابق عهدها، فضلاً عن تصريح رئيس الوزراء بن يلدريم حول تطبيع العلاقات مع دمشق، وهذا ما ترفضه واشنطن وفق ما كشف خبير وثيق الصلة بالأجهزة الأمنية التركية، بافل ظريفولين، إنه تلقى في ليل 20 يوليو/تموز رسالة من مصدر في الأجهزة الأمنية التركية قال فيها "إن محاولة الانقلاب في تركيا وجدت من أجل منع لقاء الرئيس التركي أردوغان بالرئيس الروسي بوتين، وإن أمريكا تبذل ما بوسعها لمنع لقاء بوتين وأردوغان في حين "نرى في هذا اللقاء ملاذا لبلادنا".
ثالثاً: إن أولويات أردوغان اليوم تبدأ بالملف الكردي ولاحقاً الملف السوري، ولعل دعم واشنطن للأكراد في منبج والحديث عن تشكيل إقليم كردي في سوريا تقف خلف إنسحاب أردوغان نحو روسيا، لذلك سيحاول سيعمل أردوغان إبتداءاً على ضرب الأكراد، كما فعل اليوم في العراق، وفي حال إعترضت واشنطن سينتقل إلى المرحلة الإلتفاف التي قد تنتهي بالمهادنة مع سوريا، وربّما المصالحة في ظل إستعداد الكثيرين لهذه المهمّة، أخرهم وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري.
رابعاً: فيما لو نجحت واشنطن في ترويض أردوغان، سيعود إلى "سمفونيته" السابقة تجاه سوريا، وربّما نكون أمام خطاب جديد يتطرّق فيه للصلاة في المسجد الأموي، إلا أن من يراقب تصرّفات أردوغان يدرك أن يقدّم الخصام على الحل، وهذا ما قد نشاهده في علاقته مع أمريكا، التي إن تنازلت عن مشروع تقسيم المنطقة، وتحديداً الأكراد، تكون قد منيت بهزيمة نكراء على يد حليفها أردوغان فمن ينتصر في النهاية؟
إن إستدارة أردوغان حتى الساعة في الملف الخارجي بلغت الـ90 درجة مرجّحة للإرتفاع بحسب مواقف واشنطن من الأكراد أو من غولن، إلا أنها غير قابلة للإنخفاض سوى في حالة واحدة، تحقيق كافّة طلبات أردوغان، وفي مقدّمتها إنهاء المشروع الكردي في المنطقة وإنشاء منطقة عازلة في سوريا.