الوقت- بدأت أمريكا على لسان منسق التحالف الدولي جون آلن بقرع طبول “الحرب البرية” للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي في الأسابيع القادمة. السياسة القائمة للحرب الجديدة تتمثل بهجوم تشنه ألوية عراقية مدربة "أمريكياً" على مراكز التنظيم الإرهابي، بإسناد من قوات التحالف، دون توضيح دور الاخيرة.
اذاً، أعلن مستشار الرئيس الأميركي باراك أوباما ومنسق التحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي، الجنرال جون ألن أن هجوماً على الأرض سيبدأ قريباً ضد داعش تقوده القوات العراقية بإسناد من دول التحالف.
وفي حديث لوكالة الأنباء الأردنية قال ألن إن قوات التحالف تجهز اثني عشر لواء عراقياً تدريباً وتسليحاً تمهيداً للحملة البرية، مشيراً إلى أن "التحالف لديه شريك في العراق وليس لديه شريك في سوريا".
وقال "سنراجع دومًا عناصر إستراتيجيتنا، كما نطلق عليها البيئة العملياتية، سننظر دائمًا الى عناصر هذه الاستراتيجية للاستخدام الأمثل لمصادرنا وقدراتنا من أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية". وبحسب الجنرال الأمريكي فإن "نظام (رئيس الوزراء العراقي السابق نوري) المالكي استنزف الكثير من مقدرات العراق، واستبدل قيادت قوات الأمن وخسر العراق الكثير من معداته، ما أدى للانهيار".
يحمل كلام ألن الكثير من الرسائل الهامة لذا لا بد من طرح بعض الأسئلة للإجابة عليها: لماذا ستقوم قوات عربية فقط أو عراقية بالأحرى بالهجوم على تنظيم داعش الإرهابي، حسب جو ألن؟ ألم تهدد قيادة الجيش الأمريكي بالتدخل البري المباشر، ما الذي تغيّر؟ وما هو واقع مقولة "أهدافنا الإستراتيجية" التي طرحها ألن؟ لماذا هاجم ألن نظام المالكي الذي عارض التواجد العسكري الأمريكي سابقاً؟ هل تريد أمريكا زج بعض القوات التي دربتها في مواجهة داعش لتركها وحيدةً في الميدان وبالتالي إظهارصورة معاكسة عن القدرات النوعية التي أثبتتها قوات الحشد الشعبي للعالم بأسره ؟ ألا تريد أمريكا حينها وفي الوقت المناسب الإنقضاض على داعش لقطف الثمار وطرح معادلة جديدة على غرار المعادلة القديمة "النفط مقابل الغذاء"، المعادلة الجديدة تقول "التواجد الأمريكي مقابل داعش"؟ ما الذي يضمن أن لا تعاود أمريكا الكرّة في دعم التنظيم الإرهابي كما حصل في كوباني؟ ما هو موقف العراقيين وقوات الحشد الشعبي من هذا التدخل؟
لاشك في أن الإنتصارات التي حققها الجيش العراقي ومن تطوع في ركبه بمواجهة التنظيم الإرهابي، ألقت بظلالها سريعا على الموقف الأمريكي"المتخبط"، فبعد أقل من أسبوع من ضربات الجيش العراقي الموجعة لـ"داعش الارهابي" ناقض الجانب الأمريكي نفسه، وغيّر لهجته، وبعد أن قال منسق عمليات التحالف الدولي الجنرال جون ألن قبل أيام أن الحملة العسكرية لاتزال في بدايتها، عاد قبل يومين إلى الإعلان عن هجوم بري وشيك للقوات العراقية ضد التنظيم وبإسناد غربي، ما الذي حصل؟
حذّر الإعلام الأمريكي في وقت سابق من التدخل "البرّي"، وسمّاه "ورطة"، كذلك نقلت الصحف الأمريكية عن مسؤولين في القيادة المركزية قولهم بالحرف الواحد "إنّ الدولة الإسلامية قد لا تكون عاجزة عن اكتساب مناطق جديدة في هذه الحرب والدفاع عنها". في هذا السياق يقول محللون سياسيون إنّ هذا التصريح يتضمن "تحذيراً مبطناً للقوات العراقية بعدم قدرتها على إنجاز مهمة تحرير الموصل"، كما يشتمل التصريح على "التحذير من أن إرهابيي داعش استعدوا لمثل هذه الحرب، وأنهم يمتلكون القدرة على التمدد في مناطق جديدة والسيطرة عليها". ويشير المحللون الى أنّ هذه التحذيرات تهدف الى إقناع العراق بـ"قبول التدخل العسكري البري الأمريكي"، وهو أمرٌ تؤكد الحكومة العراقية رفضه، فما هي الإستراتيجية الأمريكية المطروحة لمواجهة الرفض العراقي؟
القراءة السريعة في أبعاد تصريح ألن الأخير تشير إلى فحوى مقولة" أهدافنا الإستراتيجية"، وتؤكد أن أمريكا التي تتجاهل انتصارات العراقيين علي تنظيم داعش الإرهابي، تريد زج بعض القوات التي دربتها في مواجهة غير متكافئة مع التنظيم الإرهابي، أعني تريد تركها وحيدة في الميدان ومن ثم تجييش الإعلام الدولي عبر تسليط الضوء على ضعف العراقيين (المدربين امريكياً) ومن ثم التدخل حتى لو رفضت الحكومة العراقية ذلك، بذريعة الإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. في السياق ذاته إن توقيت إعلان ألن جاء في منتهى الدّقة لإدراك القيادة العسكرية الامريكية أن إستمرار ضربات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي التي لبّت نداء المرجعية سينهي تواجد داعش الارهابي في العراق، ويؤدي تلقائياً إلى إفشال المخطط الامريكي هناك.
التصريحات الأمريكية الأخيرة تعني أن القوى الغربية تعد العدة الآن بعد تأمين الأرضية المناسبة لارسال قوات برية الى العراق، أمريكا تدرك جيداّ أنه في ظل الإنتصارات المتتالية للجيش وقوات الحشد الشعبي لن تستطيع النفوذ إلى بلاد الرافدين، لذلك لا بد من توريط بغداد بين مطرقة داعش الارهابي وسندان التحالف الدولي، كي تستطيع أمريكا حينها أن تؤمن غطاء"غير شرعي" للإحتلال، وما التدخل البري إلا مشهدا جديدا في سيناريو احتلال العراق. ولكن لا شك في أن القيادة العراقية الحكيمة تدرك جيداً ما يخلج إلى أذهان الأمريكيين ولن تسمح بعودة المحتل الذي طردته سابقاً بعد إذلاله.