الوقت- كشفت وسائل إعلام عبرية وغربية عن قيام حكومة بنيامين نتنياهو بتسليح مجموعة مسلحة في جنوب قطاع غزة، بقيادة شخصية محلية تُدعى ياسر أبو شباب، وهو من سكان مدينة رفح جنوب القطاع، وقد حصلت هذه المجموعة، حسب تقارير من صحيفة وول ستريت جورنال، على أسلحة خفيفة مقدمة من الجيش الإسرائيلي، من بينها بنادق كلاشنيكوف تمت مصادرتها من فصائل فلسطينية سابقة، وعلى رأسها حركة حماس.
ووفقًا للتبريرات الإسرائيلية، فإن الهدف المعلن من هذا التسليح هو "مكافحة تهريب الأسلحة وتأمين قوافل المساعدات الإنسانية" في مناطق جنوب القطاع، التي تشهد هشاشة أمنية متزايدة في ظل تراجع سيطرة الفصائل الكبيرة عليها، بعد أشهر من العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي المكثفة.
من هو ياسر أبو شباب؟
ياسر أبو شباب، القائد الميداني لهذه الجماعة الناشئة، شخصية مثيرة للجدل في الأوساط الغزّية، سبق له أن اعتُقل عدة مرات من قبل حركة حماس بتهم تتعلق بالتهريب والاتجار بالمخدرات، كما ارتبط اسمه بشبكات السوق السوداء التي نشطت في جنوب القطاع خلال فترات الحصار، وعلى الرغم من نفيه للاتهامات، فإن سمعته بين الأهالي ليست ناصعة، ما يضع علامات استفهام حول اختياره ليكون واجهة لما يُفترض أنه مشروع أمني منظم.
ويدّعي أبو شباب أن جماعته تنسّق مع منظمات إنسانية كالهلال الأحمر ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إلا أن مصادر ميدانية نقلت للجزيرة أن الجماعة تُتهم بالاستيلاء على بعض المساعدات وتحويلها إلى مخازن خاصة، أو فرض رسوم حماية على القوافل التي تمر في نطاقها الجغرافي.
انتقادات داخل الكيان: الرهان الخطر
لم تمر هذه السياسة مرور الكرام داخل الكيان الإسرائيلي، فقد اعتبر وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان أن "تسليح مجموعات غير منضبطة لا تخضع لهرمية واضحة هو تكرار لأخطاء الماضي"، في إشارة إلى تجارب مشابهة قامت بها "إسرائيل" أو الولايات المتحدة في مناطق مثل العراق وسوريا وأفغانستان، وقال ليبرمان، وفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل (6 يونيو 2025): "هذه الميليشيات لا تملك ولاءً طويل الأمد، ويمكن أن تتحول إلى تهديد مباشر لاحقًا".
وعلّق محللون في صحيفة هآرتس على الموضوع بأن "نتنياهو يلعب بالنار" في محاولة لإنشاء "أمن بالتعاقد"، دون النظر إلى تعقيدات النسيج الاجتماعي والسياسي في غزة، وتساءل آخرون عن مدى استعداد "إسرائيل" لتحمّل مسؤولية مآلات مثل هذه السياسات إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة.
ردود فعل فلسطينية ومحلية
على المستوى الفلسطيني، وصفت عدة فصائل الخطوة بأنها "امتداد مباشر للاحتلال بغطاء محلي"، واعتبرتها محاولة لتقسيم المجتمع الغزّي وزرع بذور صراع أهلي، وقد صرّح المتحدث باسم حركة حماس، فوزي برهوم، أن ما تقوم به "إسرائيل" هو "إعادة إنتاج للنموذج الفاشل الذي جُرّب في العراق وسوريا وخلق جماعات مرتزقة عاثت في الأرض فسادًا".
محليًا، يُنظر إلى هذه الجماعات بعين الشك والريبة، إذ تخشى شرائح واسعة من المدنيين أن تتحول هذه الميليشيات إلى أداة ابتزاز أو قمع موجهة ضدهم، ولا سيما في ظل ضعف أي جهة رقابية أو قضائية في القطاع حالياً.
كما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي شهادات من سكان في رفح يؤكدون فيها تعرضهم لمضايقات من عناصر هذه الجماعة، سواء عبر نقاط تفتيش غير رسمية أو عبر فرض أتاوات لتأمين مرور بعض الشحنات.
سيناريوهات محتملة: بين النموذج العراقي والسوري
التحذيرات تتعاظم من تكرار سيناريو "الصحوات" التي أنشأتها الولايات المتحدة في العراق لمواجهة تنظيم القاعدة، وانتهى بها المطاف إلى أن أصبحت جزءًا من النزاع الطائفي هناك، كذلك، فإن تجارب تسليح المعارضة السورية المعتدلة في بدايات الأزمة السورية تحوّلت إلى مأساة بعد أن انتقلت الأسلحة إلى أيدي الجماعات المتطرفة، بعضها استهدف من قدّم له الدعم.
ويرى الباحث في شؤون الحركات المسلحة، أحمد الزعبي، في حديثه لقناة الجزيرة (7 يونيو 2025)، أن "ما يجري في غزة ليس تجربة أمنية، بل مقامرة سياسية بمستقبل المنطقة، "إسرائيل" تحاول إنشاء قوة موازية لحماس، لكنها في الواقع قد تخلق حاضنة لفوضى أمنية طويلة الأمد".
أجندة الاحتلال الإسرائيلي: أمن أم تفكيك اجتماعي؟
اللافت أن هذه الخطوة تأتي في وقت تحاول فيه "إسرائيل" تكريس واقع جديد في قطاع غزة، يقوم على تقسيم السلطة الأمنية بين قوى محلية صغيرة، تُستخدم كأدوات ضغط على الفصائل الكبرى، ويبدو أن استراتيجية "التفكيك من الداخل" باتت إحدى الأدوات التي تراهن عليها حكومة نتنياهو بعد فشل الحسم العسكري الكامل.
ويقول الخبير الإسرائيلي في شؤون الأمن القومي، يوسي ميلمان، إن "نتنياهو يحاول خلق شبكة ولاءات محلية تحمي المصالح الإسرائيلية، دون الحاجة لاحتلال دائم أو إدارة مباشرة للقطاع"، إلا أن هذه السياسة قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا ما انهارت هذه الشبكة، أو تحوّلت إلى خصم مستقبلي، تمامًا كما حدث في حالات مشابهة خلال العقود الماضية.
هل من أفق لحلول مستدامة؟
في ضوء ما تقدم، تبدو محاولة "إسرائيل" لخلق قوة أمنية بديلة في غزة أشبه بلعبة شطرنج معقدة، تتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح والواقع، غير أن المؤشرات الحالية لا تبشّر بنجاح هذه الرؤية، ولا سيما في ظل رفض شعبي واضح، وغياب بنية تنظيمية صلبة يمكن الاعتماد عليها.
الحل المستدام للوضع في غزة لا يمكن أن يكون عبر وكلاء مسلحين أو فرض قوى أمر واقع، بل عبر عملية سياسية شاملة تنخرط فيها جميع الأطراف، وتستند إلى شرعية ديمقراطية، وتحترم تطلعات الشعب الفلسطيني، وإلا، فإن ما يحدث اليوم قد يكون مجرد مقدمة لفصل جديد من الفوضى التي يدفع ثمنها الأبرياء وحدهم.