الوقت- وكأن أفراد المجموعات الإرهابية باتوا يدركون ولو متأخرين أنّ العنوان الذي قصدوه للجهاد تحت راية " الدولة الإسلامية" بمسمياتها المختلفة كان خطأً، بل كان الإرهاب والقتل والتنازع المجموعات الإرهابية للسيطرة على الأرض هو الحاضر الأبرز. وانّ الشعارات التي كانت ترفع لجذب الشباب والنساء من أقطار العالم لم تكن إلا شعارات مزيفة كتبت بخط إسلامي عربي ولكن بحبرٍ أمريكي وأقلامٍ سعودية قطرية تركية.
فما شهدته الأشهر المنصرمة من تقاتل وتكفير متبادل بين المجموعات الإرهابية لم يكن الا نتيجة للمصالح الخاصة وزيف الإدعاءات القائلة بالجهاد ونصرة الإسلام. وعمليات الفرار الناجحة والفاشلة التي شهدتها المجموعات الإرهابية من أفراد وقادة وقضاة شرعيين في المعارضة المسلحة والمجموعات الإرهابية ليست إلا تأكيداً على الخلافات القائمة بين هذه المجموعات والتناقض على مستوى أهدافها والذي يرتبط بمصالح أمريكا وأدواتها الصهيونية والعربية.
فقد وردت العديد من التقارير عن تصفية داعش والنصرة وغيرها من المجموعات الإرهابية للعديد من عناصرها الذين قرروا الفرار أو ترك القتال بعد إقتناعهم بخطأ البقاء في صفوف المجموعات الإرهابية. هذا الى جانب تصفية كل من لا يتعاون معهم من سكان وصحفيين في المناطق التي يحتلونها.
فقد أعلنت مصادر سورية ناشطة في مجالات حقوق الإنسان والرصد عن أنّ تنظيم داعش يقوم بتنفيذ عمليات إعدام عناصره الذين يقررون مغادرته للعودة إلى بلدانهم، حيث تم إعدام 40 سعودياً في الآونة الأخيرة بعدما قرروا التخلي عنه. وأكدت وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء على لسان هاربين كُتبت لهم النجاة أن قادة وحدات داعش يأمرون بقتل أي عنصر يشتبهون في عدم ولائه. بينما أشارالمرصد السوري المقرب من المعارضة الذي يتخذ بريطانيا مقرًا له إلى أنه وثّق إعدام 120 عنصراً على أيدي مقاتلي داعش خلال الأشهر الستة الماضية، ومعظمهم مقاتلون أجانب كانوا يرغبون في العودة لأوطانهم.
وبحسب مصادر حقوقية سورية مناوئة للنظام السوري فقد أقدم داعش على إعدام 40 سعودياً من عناصره، رمياً بالرصاص، في معسكر العكيرشي في مدينة الرقة، معقل التنظيم بتهمة الإنشقاق، والذي شهد مطلع الأسبوع الماضي إعدام سعودييْن بعد محاولتهما البحث عن جوازي سفرهما.
ونوه المرصد السوري في تقرير أن تنظيم داعش أعدم خلال الشهر السابع منذ إعلان خلافته المزعومة حتى 28 كانون الثاني / يناير الماضي 122 من عناصره، بعضهم بتهمة الغلو والتجسس لمصلحة دول أجنبية، وغالبيتهم أُعدموا إثر محاولتهم العودة إلى بلدانهم.
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أنها تحدثت إلى أكثر من 10 مقاتلين سابقين في داعش وأسرهم ومحاميهم عن الحياة في التنظيم والهرب منه، مشيرةً إلى أن تونسياً يدعى "غيث" أكد لها صدمته حين وصل إلى معقل التنظيم ممنّياً نفسه بالجهاد ونزل الفردوس الأعلى، ليفاجأ بانتشار ثقافة إغتصاب المجندات في المعسكرات، إلى درجة أن الفتاة الواحدة يتناوب على زواجها عدد من الرجال في الليلة الواحدة.
وتحدثت الوكالة إلى سعودي عمره 18 عامًا يدعى "حمد عبدالرحمن" من أحد سجون بغداد المحاطة بتدابير أمنية مشددة، والذي قال إنه نجح في الهرب إلى الحدود السورية الصيف الماضي، وكان في استقباله عناصر داعش الذين أخذوا وثائقه وجواز سفره، وخيّروه بين أن يكون مقاتلاً أو انتحارياً، فاختار القتال، وحكي عن وجود عدد من الأجانب في المعسكر الذي وضع فيه، منهم ألمان وروس وفرنسيون وعرب وطاجيك.
واعتقل مسلحو داعش 21 شخصاً من مدينة الميادين بريف دير الزور، أغلبهم مقاتلين سابقين وبينهم قادة في النصرة و الجيش الحر، وترددت أنباء على أن الإعتقال على خلفية مقتل عنصرين من داعش برصاص مجهولين الأسبوع الماضي .
وذكرت صحيفة صينية أن تنظيم داعش قتل الأسبوع الماضي 3 صينيين ممن انضمّوا إلى صفوفه للقتال في سوريا والعراق ثم حاولوا الهرب . وكانت صحيفة "جلوبال تايمز" التي تديرها الصحيفة الرسمية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، قالت في ديسمبر الماضي، إن نحو 300 صيني يقاتلون مع داعش بعد أن سافروا إلى تركيا .
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني كردي لم تذكر اسمه، أن داعش أمسك بصيني وحاكمه وقتله بالرصاص في سوريا بأواخر سبتمبر بعد أن تراجع عن فكرة الجهاد، وحاول العودة إلى تركيا لاستئناف دراسته الجامعية .
وقد كشف المرصد العراقي للحريات الصحفية الأسبوع الماضي أن تنظيم داعش قام بتصفية واستهداف صحافيين وإعلاميين عراقيين بعد رفضهم التجسس لصالحه في المناطق التي يسيطر عليها. وقال رئيس المرصد في تصريح صحفي إنّ "تصاعد حملة تصفية استهداف الصحافيين والإعلاميين من قبل تنظيم داعش في المناطق التي يسيطر عليها يرجع الى رفض الصحافيين العمل كجواسيس وموظفين لدى التنظيم".
كل هذه المعلومات والتقارير وغيرها والضغط الإعلامي الكبير والإنتقادات الكبيرة من العالم أجمع، ولو بعضه يقف موقف المنافق ضد هذه المجموعات وأعمالها الإرهابية، تفيد أنّ البنيان البشري لداعش والمجموعات الإرهابية الأخرى بدأ بالإنهيار، وتصميم المقاتلين للرجوع الى أوطانهم يؤكد على بدء انحدار هذا المشروع الإرهابي التكفيري من الداخل حيث بدأ يتضح للأفراد المقاتلين في المجموعات الإرهابية أنّ هذد التنظيمات لا تمت الى الإسلام بصلة بل تعمل على تشويه صورة الإسلام وتحقيق مطالب أمريكا والعدو الصهيوني وضرب محور المقاومة.
فقد سقط القناع وظهر الوجه الحقيقي القبيح للإرهابيين ومن وراءهم فهم ليسوا إلا صنيعة أم الإرهاب في العالم وربيبتها إسرائيل وهم يحملون ذات القيم والإهداف التي ولو حاولت أمريكا التظاهر بمواجهتها فإنّ الحقيقة واضحة والأمريكي لم يعد يستطيع التعتيم عليها وتزويرها لأنّ شعوب أمتنا أصبحت تدرك التآمر الأمريكي على منطقتنا لزرع الفتن بين شعوبها والسيطرة على ثرواتها وخيراتها. ففرعون العصر لن تبقى له اليد الطولى في المنطقة بل المستقبل هو لشعوب أمتنا المقاومة والتي ستكسر القيد التكفيري بالتكاتف والتلاحم في مواجهة هذا الإرهاب.