الوقت - شكلت عملية تحرير الفلوجة وقُرب القضاء على داعش نهائياً فيها، مادةً للتحليل. ليس لأنها العملية الأولى التي تُحققها القوات العراقية المجتمعة والموحدة، بل لأن مقاربة عملية الفلوجة، تحتاج الى فهمٍ حقيقيٍ لما تعنيه العملية عسكرياً، وربطه بحقيقة نوايا الأطراف، لاسيما الإقليمية والدولية. الى جانب الأخذ بعين الإعتبار، القدرة العراقية والتي أثبتها الشعب العراقي، في تخطيطه وتنفيذه للعملية، خصوصاً لجهة التناغم بين الأطراف السياسية الرسمية، والأطراف الشعبية المُتعددة المذاهب. وهو ما ساهم في تنفيذ العملية وتحقيق النصر. في وقتٍ كان يحاول فيه البعض، لا سيما أمريكا وأعوانها من الدول العربية، الترويج للفتنة. ليُسجِّل العراقيون مرةً أخرى، نصراً على الإرهاب والفتنة. فماذا في المعلومات والحقائق حول عملية الفلوجة؟ وكيف يمكن قراءة النتائج بموضوعية؟
معلومات حول عملية الفلوجة وقصة التحرير
عددٌ من الأمور يمكن التركيز عليها، لتبيان أهمية العملية وكيف جرت، وهو ما يمكن سرده بالتالي:
من الناحية المعنوية، تعتبر الفلوجة أول مدينة سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي وبدعمٍ أمريكي، تحديداً في كانون الثاني 2014. وهو الأمر الذي لم يكن عبثاً، نتيجة أهميتها الجغرافية.
من الناحية الجغرافية تعد الفلوجة ثاني مدن محافظة الأنبار بعد مدينة الرمادي، وهي تبعد عن العاصمة بغداد حوالي 50 كيلو متراً. وهو ما يجعله ذات أهمية عسكرية. وبالإضافة الى ما تقدم، فالفلوجة تتوسط العراق، وتربط عدة مدن في الجنوب والشمال والشرق والغرب. وهو ما أكسبها مكانة استراتيجية، حيث كانت محطة القادمين من سوريا، للإلتحاق بداعش. فيما جعلها التنظيم التكفيري بوابة التهديد المباشر لبغداد وتحديداً جنوب بغداد.
أما فيما يخص، تأخر عملية تحريرها، فالسبب الرئيسي يعود لتحصن الإرهابيين بين المدنيين العُزل، وجعلهم دروعاً بشرية. مما جعل مسألة التخطيط للعملية، أمراً مُعقداً. فيما ساهمت واشنطن وحلفاءها العرب، في الترويج لصعوبة العملية، نتيجة وجود المدنيين.
لكن أبناء الشعب العراقي، ومن خلال تجربتهم في تحرير المدن الأخرى، لم يسمحوا للدعاية الأمريكية، وخصوصاً التحريض على الفتنة، من منع التقدم نحو تحرير المدينة، بل أخذوا خطواتٍ متقدمة، تلت التخطيط بالتنفيذ. وهو ما أشارت المعلومات، الى أن العملية انطلقت من ستة محاور، الأول، وهو المحور الشمالي باتجاه ذراع حجلة ومنطقة البوسودة. الثاني، وهو محور الكرمة، والذي انطلق من جسر الكرمة بإتجاه المركز. المحور الثالث، انطلق من منطقة الليفية بإتجاه منطقة الشهابي. المحور الرابع، انطلق من شمال الصقلاوية باتجاه منطقة البوشجل. المحور الخامس، إنطلق من الصبيحات نحو المعمل الأزرق، والمحور السادس، انطلق من جنوب غرب الفلوجة بإتجاه المستشفى الأردني.
استخدمت القوات العراقية، تكتيكاً يعتمد على تقسيم العملية العسكرية الى مرحلتين. الأولى مرحلة التطويق والحصار، والتي تليها وتتكامل معها المرحلة الثانية، وهي مرحلة الإقتحام. وهنا فإن الذكاء العسكري، بدا واضحاً في التنفيذ. حيث بدأت العملية من خلال التطويق العسكري للجيش العراقي للإرهابيين، مدعوماً بقوات الحشد الشعبي. فيما قامت الشرطة الإتحادية وجهاز مكافخة الإرهاب وأبناء العشائر بعملية إقتحام المدينة مدعومين بسلاح الجو العراقي. مما جعل الأطراف العراقية كافة، شريكة في العملية، مع مراعاة التنوع الخاص، والرمزية التي تتمتع بها المدينة.
التقدم الأساسي الذي أحرزته القوات العراقية والمدعومة بالحشد الشعبي والعشائر، كان في عددٍ من المناطق بحسب المعلومات العسكرية. وهي الصبيحات، الفلاحات، البوشندوخ، الدويبة، المزرعة، الميدان، النعيمية، البوشجل، وصولاً للمجمع الحكومي في الفلوجة حيث رفع العلم العراقي.
هذا التخطيط الصحيح للعملية والتنفيذ الدقيق، جعل أبناء المدينة، يساهمون في إكمال مسار التحرير. بل كانوا جزءاً من العملية العسكرية التحريرية. فيما ساهم هذا الإندفاع، في فتح ممرات آمنة لتسهيل خروج المدنيين من داخل المدينة. وقطع طرق الإمداد اللوجستية والعسكرية، عن المسلحين داخل المدينة.
نتائج العملية
يُعتبر فقدان الفلوجة بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي، خسارةً كبيرة، سيكون لها وقع معنويٌ وعسكري، الى جانب الوقع التنظيمي أو الإداري في حربه في العراق وسوريا. أما المعنوي، فهو بسبب مكانة المدينة ورمزيتها، وهو ما أشرنا له أعلاه. والوقع العسكري وهو الأهم، بسبب قرب الفلوجة من العاصمة بغداد، والجغرافيا السياسية لها، والتي ستجعل داعش يخسر مركزاً عسكرياً إستراتيجياً وليس فقط ظرفياً. فيما يجب الإلتفات الى الخسارة التنظيمية والإدارية، والتي قلما يتم الحديث عنها. فخسارة التنظيم لمدينة، يعني فقدان يفقد مكانته كإدارة ودولة بالمعنى الذي يحاول الترويج له. وهو ما سيؤثِّر على شعبيته في المنطقة والعالم. وهو أصل القضاء على أي طرفٍ يسعى لأن يكون تنظيماً. فالمسألة المعنوية التي تُخلفها الخسارة التي حصلت، تجعل تنظيم داعش يعود لسنواتٍ الى الوراء، من التخطيط والتنفيذ. وهو ما يضرب مشروعه في جوهره.
من الناحية العسكرية والتي يجب إيلاؤها أهمية خاصة، لما لها من علاقة بنتائج ما بعد العملية. فالفلوجة تقع في خاصرة العاصمة بغداد، لا سيما أنها لا تبعد سوى خمسين كيلومترا عنها، كما أشرنا. كما أن أغلب عمليات تسلل داعش الى بغداد، تتم عبر الطرق الفرعية، والتي غالباً ما تكون بعيدة عن التعزيزات العسكرية. وهو الأمر الذي يجعل من استعادة هذه المدينة، مقدمةً لنجاح العمليات العسكرية الإخرى، كونها كانت تعتبر بمثابة الوكر المعنوي والعسكري للجماعات الارهابية. ومن ناحية عسكرية أخرى، فإن تحرير المدينة، سيُبعد الخطر والتهديدات، عن مناطق الدجيل والبلاد بمحافظة صلاح الدين. مما يعني أن تحريرها سيحقق العديد من المكاسب العسكرية دفعة واحدة.
أما من الناحية الشعبية، والتي أصبحت أمراً مهماً يجب الوقوف عنده، فإنه يمكن القول وبموضوعية، أن الشعب العراقي أثبت قدرةً عالية على مقاومة الإرهاب والفتنة. وهو ما ساهم في تكاتف القوات العراقية، والتي تمثلت بقبول الجميع لحقيقة أن الوحدة ضد الإرهاب هي السلاح الأمثل في مواجهة الإرهاب. الأمر الذي ثمثّل في مشاركة الحشد الشعبي الى جانب العشائر، مما حمى المدنيين العزل في المدينة، وساهم في إعطاء الجيش العراقي دفعاً قوياً لتنفيذ المخطط العسكري.
إذن، ليس انتصار العراقيين في الفلوجة، إلا انتصاراً محلياً وإقليمياً. إنتصارٌ ضد الإرهاب الذي حاول النيل من وحدة العراق. فيما يعتبر الإنجاز، نجاحاً يُضاف لمحور المقاومة الذي بات الشعب العراقي جزءاً منه، في مقاومة المخطط الأمريكي، الإقليمي والدولي.
نجح العراق في حربه على الإرهاب والفتنة. وأضاف الإنجاز، ورقةً سيحصد نتائجها الإستراتيجية الشعب العراقي بشعبه ومسؤوليه. فيما يمكن القول وبموضوعية، بأن إنتصار الفلوجة، سيؤدي لنتائج أكبر من محلية، سيحصدها محورالمقاومة.