الوقت- نشر الأميركيون خلال الأيام القليلة الماضية في وسائل إعلامهم مثل صحيفة واشنطن بوست ومجلة نيوزويك، معلومات بشأن مشاركتهم المباشرة في اغتيال القیادي البارز في حزب الله عماد مغنية. وتشیر هذه المعلومات لأول مرة إلی تفاصيل هامة عن کیفیة اغتيال عماد مغنية وکذلك التعاون بين وكالة المخابرات المركزية والموساد في هذه العمليات.
ففي تفاصيل عملية الاغتيال، كتبت واشنطن بوست: " في 12 من فبراير 2008، بعد أن تناول قائد العمليات الدولية لحزب الله عماد مغنية العشاء في أحد المطاعم في دمشق، دخل في شارع. وفي مسافة قریبة من هناك، کان فریق من وكالة المخابرات المركزية في العاصمة السورية یرصد تنقلاته. وعندما اقترب عماد مغنية من السیارة المرکونة، انفجرت القنبلة التي کانت موضوعة داخل الإطار الاحتياطي للسيارة، وقتل على الفور".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست أيضاً عن مسؤول أمريكي سابق قوله: لقد ساعدت أمريكا في بناء هذه القنبلة، وجربتها مراراً في أحد مراکز وكالة المخابرات المركزية في كارولاينا الشمالية، کي تتأکد من قوتها التفجيرية المحتملة وأن لا تؤدي إلی الأضرار غير المرغوب فيها. وربما تم تفجير 25 قنبلة کي يتم التأکد من تحقيق الهدف.
السؤال الذي یفرض نفسه هنا هو ما سبب هذا الاعتراف الواضح بتنفیذ عمل إرهابي، من الممکن أن یضر بسمعة امريكا في الرأي العام بسبب انتهاك القانون الدولي؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن العملية الناجحة والمفاجئة لحزب الله في مزارع شبعا، والتي أسفرت عن مقتل 17 جندیاً إسرائيلياً وتدمير عدة عربات عسكرية، قد ألحقت ضرراً نفسياً ثقيلاً بأمريكا والکیان الإسرائيلي علی وجه الخصوص. وکانت هذه العملیة غیر المسبوقة رداً علی استشهاد عدد من مقاتلي حزب الله بمن فيهم جهاد مغنية ابن عماد مغنية، وکذلك عمید في الحرس الثوري الإيراني، في قصف للکیان الإسرائیلي علی منطقة القنیطرة السوریة.
وهذه العملیات العسکریة الدقیقة التي تعتبر الأکبر ضد جنود الکیان الإسرائیلي منذ حرب عام 2006، قد حطمت الهیبة الأمنیة والاستخباراتیة لهذا الکیان في الرأي العام. ويبدو أن إثارة تورط أمريكا في اغتيال عماد مغنية في وسائل الإعلام، كانت محاولة لخلق التوازن في الرأي العام، والتخفیف قلیلاً عن الضرر النفسي الناجم عن عملیات شبعا. الأمر الذي یکشف عن مدى كفاءة وفعالية عملیات شبعا.
ثانیاً: في أجزاء من التقارير الأخيرة التي نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية، تم التأكيد على أنه على الرغم من أن کیفیة هذا الاغتيال تناقض القانون الدولي، إلا أن التنفیذ جاء وفقاً لمنطق "عمليات الدفاع عن النفس".
وبهذا الصدد قال مسؤول أمريكي سابق لوسائل الإعلام الأمريكية: إن إدارة بوش قررت قتل مغنية اعتماداً على نظرية الدفاع عن النفس، وادعت أن مغنية هو هدف مشروع، لأنه قد لعب دوراً ناشطاً في التخطیط لإجراءات ضد أمريكا أو القوات الأمريكية في العراق. وقد سمح هذا المنطق القانوني لوكالة المخابرات المركزية بأن تمنع انتهاك القانون المتعلق بحظر الاغتيال في عام 1981. وبالطبع لم يتم تعريف الإرهاب في هذا النظام القانوني.
وتقول واشنطن بوست بهذا الصدد أیضاً: لقد أظهر اغتيال عماد مغنية بشكل بارز، تطوراً فلسفياً في أجهزة الاستخبارات الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. قبل ذلك، کانت الإدارة الأمريكية لها وجهة نظر ضئيلة التأثیر بخصوص عمليات الإرهاب التي یقوم بها الکیان الإسرائيلي، وبرز ذلك في إدانة محاولة الکیان الإسرائيلي لاغتيال زعيم حرکة حماس خالد مشعل في الأردن عام 1997، وانتهی باعتقال عملاء الموساد. واغتيال مغنية الذي وقع بعد عقد من هذه العملیة الإسرائيلیة، یظهر أن هذا التردد الأمیرکي قد زال، وأن وكالة المخابرات المركزية قد حددت عملياتها القاتلة في خارج المناطق الحربیة ومناطق الانفلات الأمني في باكستان واليمن والصومال.
وبعد أن هدد القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري باستهداف جنود الکیان الإسرائیلي في أي نقطة من العالم یتواجدون فیه، وذلك في حال الرد علی عملیات شبعا، فیبدو أن الأميركيين یحاولون أیضاً نقل الرسائل إلی إیران وحزب الله بأنهم یملکون الإرادة والتبریر لاغتیال العناصر المرتبطة بحزب الله وإيران في أي نقطة من العالم أیضاً.
ثالثاً: هذه التفاصیل تسعی إلی نقل الرسائل إلی الرأي العام داخل الکیان الإسرائيلي أیضاً، فهي تحاول القول إن الإدارة الأمیرکیة تقف إلی جانب الشعب الإسرائیلي، وهي مستعدة لاغتیال أشخاص آخرین یهددون وجود الکیان الإسرائیلي وأمنه.
وتذهب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في تحلیلها حول نشر هذه المواضیع في وسائل الإعلام الأمريكية إلی أبعد من ذلك، وتقول: إن نشر العملية المشتركة لوكالة المخابرات المركزية والموساد لم یکن رسالة إلی الشعب الإسرائيلي ونتنياهو فحسب، بل یحمل أیضاً تحدیاً لحزب الله ورسالة إلی إیران، ویقول لهم إن معرکتکم لیست مع الکیان الإسرائیلي فحسب، بل مع أمیرکا أیضاً.
