الوقت- تعددت المعايير التي تصنف فيها منظمة حقوق الانسان دول العالم، و الأمثلة كثيرة على ذلك من تزوير حقائق الى اخفاء احصائيات أو تعامي عن وقائع في دولة و تضخيمها في دولة أخرى تبعا لمصالح الدول الكبرى، و كمثالا على ما ذكرنا، نطرح في سطور الفارق بين دولتين هما الجمهورية الاسلامية الايرانية و السعودية، لنبين ادعاءات الغرب الذي يتشدق بشعارات الدفاع عن حقوق الانسان بينما يجعل من التخلف ازدهارا و حضارة لضمان استمرارية مصالحه الاقتصادية و نفوذه في المنطقة.
في سياق المتابعة لتاريخ ال سعود تحدثت وثائق عدة و كتب مؤرخون عرب و أجانب(1) عن النشأة الدموية لمملكة ال سعود الأولى و الثانية و أخيرا الثالثة التي تأسست سنة 1939م على يد عبدالعزيز ال سعود والد الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز الذي عين حديثا بعد أخيه عبدالله الذي توفي عن عمر ناهز 91 عاما. أحكم ال سعود قبضتهم على الحكم فجعلوه وراثة فيما بينهم دون المرور على رأي الشعب الذي لا يلعب دورا في تقرير مصيره أو المشاركة في الحكم، فالملك يعين ولي العهد ليخلفه و وليا لولي العهد مؤخرا بعد تشكيل ما يسمى بهيئة البيعة، كما يمسك الأمراء من ال سعود كل المرافق الأساسية في البلاد اضافة الى الوزارات السيادية و المراكز الحساسة كالحرس الوطني و الجيش و غيره.
أما في ايران حيث نشأت الجمهورية الاسلامية بعد نجاح الثورة التي قادها الامام الخميني الراحل ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي بعد أن أذاق الشعب الايراني مرارة الفساد و الظلم و الحرمان، فكانت ولادة الجمهورية الاسلامية الايرانية سنة 1979م تحت قيادة الامام الخميني قدس سره الذي وضع قانون الحكم الأساسي بعد استفتاء عام حظي بنسبة قبول فاقت 90% و جرت بعد ذلك انتخابات رئاسة الجمهورية و عينت الحكومة و شكلت قوات الجيش و الأمن و الشرطة و الحرس الثوري و قوات التعبئة و غيرها، فأصبح الحكم في ايران من الشعب و الى الشعب بشكل مباشر.
منذ قيام ما يسمى السعودية و هي تتمتع بعلاقة جيدة مع أمريكا و دول الغرب حيث يرون فيها مصدرا مهما للنفط الذي تتحكم السعودية بأسعاره زيادة أو نقصان نزولا عند رغبتهم، ما يجبرهم على التغاضي عن قضية حقوق الانسان في المملكة. في الطرف الاخر من الخليج الفارسي فان الجمهورية الاسلامية الايرانية تدفع ثمن مواقفها الرافضة لسياسة الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية في المنطقة، ما جعل الغرب يحاربها بكل ما اوتي من قوة و اتهام الحكومة بتزوير انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2009م خير دليل حيث سعت الدول الغربية الى احداث فتنة داخلية في محاولة منها لقلب الرأي العام على النظام، فأقنعت أنصار الاصلاحيين انذاك بحصول تلاعب بنتائج الانتخابات و دفعت بهم للنزول الى شوارع العاصمة طهران و الاحتجاج و جرى تضخيم متعمد لما يحصل عبر الحديث عن قمع للمتظاهرين و كم للأفواه لكن سرعان ما اتضحت الأمور بعد اعتقال قوات الأمن عددا من الشبكات الداخلية التي اعترفت بالتخطيط و التنسيق مع جهات خارجية لاحداث شغب داخل ايران بذريعة التزوير في الانتخابات.
على الصعيد الاقتصادي تعتبر السعودية من البلدان الغنية حيث تدر عليها مبيعات النفط و مشتقاته عائدات هائلة جعلت منها الدولة الأغنى عربيا، من هنا يصبح منطقيا أن ينعم السعوديون بعائدات النفط التي يجب أن تقسم فيما بينهم عبر خدمات و تسهيلات تتيح لهم العيش برخاء كأي دولة تنعم بثروات طبيعية وفيرة، الا أن هذا الأمر لم يحصل، فثروات السعودية تقسم بين العائلة الحاكمة و أعوانهم و الدلائل على ذلك كثيرة حيث أن أمراء تحدثوا بأنفسهم عن هذا الأمر، كما نشر موقع ويكيليكس مؤخرا برقية سرية من السفارة الأمريكية في السعودية تحت عنوان "الغناء الفاحش للعائلة المالكة: من أين يحصل هؤلاء على المال؟" يوضح فيه كيف يحصل فيه افراد العائلة المالكة من اصغرهم وابعدهم نسبا حتى اقربهم نسبا الى الملك عبدالعزيز.
فطبقا للبرقية فإن الحكومة السعودية تصرف للعائلة المالكة مكافآت كالتالي.
ابناء عبدالعزيز: 270 ألف دولار شهريا.
احفاد ابناء عبدالعزيز: 27 ألف دولار شهريا.
ثم من احفادهم يحصل بالدرجات التالية على 13 ألف دولارا شهريا و الذي بعده يحصل على 8 آلاف دولار شهريا.
أبعد فرد نسبة في آل سعود يحصل: 800 دولار شهريا.
وتصرف القروض للامراء ايضا لمساعدتهم في الزواج وبناء القصور وطبقا للبرقية الامريكية فان الميزانية المفروضة لهم سنويا تقدر حوالي 40 مليار دولار امريكي.
وتقول البرقية ان برنامج المكافآت يشجع العائلة المالكة على التكاثر ...لان المكافأة تصدر للمولود حتى لمجرد ولادته.
ويقول أحد الامراء السعوديين الذي كان يتحدث مع السفير الامريكي عام 1996 في السفارة. أن تحصيل الاموال يجري بطرق أخرى حيث أن بيع 10 ملايين برميل من النفط يوميا يحصل على ارباحه خمس او ست امراء من الاسرة.
اذا و بحسب بحوث عدة و شهادات أجانب عاشوا في السعودية و احصائيات منظمات حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، يصبح جليا بأن السعودية تتألف من عالمين متناقضين تجمع بينهما الحدود واسم المملكة، ويفرق بينهما كل ما عدا ذلك من أنماط الحياة والسكن والسلوك الإجتماعي والنظرة إلى السماء والأرض.
أكثر من نصف الشعب في السعودية ما يزال يعاني من الأمية، ومعدل الدخل العام للفرد، باستثناء الأمراء والملتحقين بهم، لا يزيد كثيرا عن معدل دخل الفرد في بلد مثل الصومال، بالرغم من أنهم يعيشون في بلد يبلغ متوسط دخل الفرد فيه نظريا أكثر من 20 ألف دولار سنويا، ويزيد صافي دخله القومي عن مائتي مليار في السنة، وتزيد فوائده النقدية المودعة في بنوك أميركا وأوروبا عن ترليون دولار.
في السعودية تواصل السلطات التعامل مع النساء على أنهن قاصرات من الناحية القانونية، فمنعتهن من اتخاذ قرارات حياتية مهمة - مثل مغادرة البلاد واستكمال التعليم العالي أو الخضوع لبعض الإجراءات الطبية - دون موافقة ولي الأمر. و عندما حاولت عشرات النساء السعوديات الجلوس خلف عجلة القيادة لتأكيد حقهن في قيادة السيارات في 26 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أخذت السلطات بعضا منهن وأجبرتهن على توقيع تعهدات بعدم القيام بذلك مرة أخرى.
في السعودية، و بشكل عبثي تقوم السلطات بحملات لاعتقال وطرد مئات الآلاف من العمال الأجانب. وذكر العديد من العمال المطرودين ظروف احتجاز رهيبة بينما كانوا في انتظار الترحيل، بما في ذلك الاكتظاظ والضرب ونقص الغذاء والماء.
و في السعودية يتلقى المعارضون السياسيون حكم اعدامهم لأبسط الأسباب و دائما التهمة حاضرة، اما التطاول على الذات الملكية أو الاساءة للاسلام أو محاولة القيام على ولي الأمر، وغيرها الكثير من الحجج، و كانت قضية رئيف بدوي الذي حكم عليه بعشرة الاف جلدة و حبس لمدة سبع سنوات، قد أثارت جدلا واسعا في أوساط الحقوقيين.
كل ذلك يمر دون الوقوف عنده من قبل أمريكا و لولا منظمات حقوق الانسان التي تنشر بين الحين و الاخر بعض التسريبات و لولا بعض المعارضين الذين يستطيعون الفرار من داخل السعودية أو يخاطرون بحياتهم لما تمكنا من معرفة ما يجري من تجاوزات.
أما في ايران التي تعاني من حصار مفروض على اقتصادها منذ أكثر من ثلاث عقود و التي تضم أعراقا مختلفة من فرس و كرد و ترك و بلوش و لور و غيرهم، فتكثر فيها وسائل التعبير من صحف و غيرها و يضمن فيها الدستور حرية التعبير بالوسائل الديمقراطية و تخضع فيها السلطات على اختلافها الى التدقيق و المحاسبة و الرقابة و يمثل فيها الشعب بشكل عادل في الحكومة و البرلمان على اختلاف أديانهم و مذاهبهم، و في لقاء صحفي أمس أكد ممثل الطائفة اليهودية في مجلس الشورى الإسلامي، سيامك مره صدق، أن الأقلية اليهودية القاطنة في الجمهورية الإسلامية لم تتعرض لأي مضايقات عنصرية، مشيرا إلى أن أتباع الديانة اليهودية يمارسون شعائرهم بحرية تامة دون أن يتعرض لهم أحد مطلقا.
و أوضح مره صدق أن "الحرية التي يتمتع بها اليهود في ايران لا تتمتع بها أي طائفة دينية في جميع بقاع العالم"، لافتاً إلى أن مصير اليهود في ايران منذ آلاف السنين قد اقترن مع مصير الشعب الايراني بشتى اطيافه.
على رغم ذلك تنشط عشرات وسائل الاعلام الممولة غربيا لاثارة النعرات و تشويه سمعة ايران و تصويرها بأنها تقمع الحريات و وصفها بالشمولية، و يندر الحديث عن تجاوزات النظام السعودي بحق مواطنيه، حفاظا على مصالح كبرى و قد تحدثت مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايتس عن هذا الموضوع قائلة: "للأسف نحن مجبورون أن نتعاون مع حكومات لا تحترم حقوق شعبها و لكن اذا استطعنا يمكن أن نناقش معهم في مجال حقوق المواطن"، فجعلت من حقوق البشر في أسفل أولويات أمريكا التي تتغنى بالدفاع عن حقوق البشر بينما تتخذها ذريعة للقيام بغزواتها متى اقتدت المصلحة.
و كما قال سماحة مرشد الثورة الإسلامية "لو منحتم أوسع الحريات و حافظتم على مبادئكم سيتهمونكم بمناهضة الحرية".
. (1)المفكر السعودي ناصر السعيد كان واحدا من الذين دفعوا حياتهم ثمن موقفهم الرافض للفساد أو حديثهم عن تاريخ ال سعود، حيث جرى اختطافه من أمام صحيفة «السفير» في بيروت، و تم تخديره ووضعه في نعش وتسليمه إلى الاستخبارات السعودية لقاء مبلغ خمسة ملايين دولار بتعاون فلسطيني ولبناني مع الاستخبارات السعودية، ونقل بطائرة خاصة عبر مطار بيروت، وألقي به من الطائرة على ارتفاع ثلاثين الف قدم فوق منطقة الربع الخالي.
الرحالة البريطاني روتير،الرحالة الفرنسي موريس تاميزيه ...