الوقت- اختتمت محادثات فيينا حول سوريا الثلاثاء دون تحقيق اي تقدم ملموس، بموازاة ذلك تجددت المواجهات بين الجيش والشعب السوري من جهة وجماعات الاجرام المدعومة غربياً من جهة اخرى، لتنتهي بذلك الهدنة الهشة التي تخللها خروقات كثيرة. المؤتمر كان مشبعاً بالتصريحات من كافة الاطراف، لكن الاتفاق كان على ضرورة العمل لتعزيز خيار الهدنة على كافة الاراضي السورية باستثناء ما تم الاتفاق على انهم جماعات لا يشكلون المعارضة المزعومة، ظريف اعتبر ان اجتماع فيينا فرصة للتأكيد على ان لا حل عسكرياً للازمة السورية خلافاً لمحاولات بعض الجماعات الارهابية وحماتها الاقليميين والدوليين، هذا الموقف يلخص الوضع القائم حالياً في المحادثات سواء فيينا او ما تحت الطاولة. فالخيار السياسي اصبح موجوداً بعد ان كان معزولاً امريكياً، لكن الجدية غير موجود بعد.
الخلافات بين الاطراف المتحاورة كانت واضحة حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية، فيما أخفقت الأمم المتحدة في تحديد موعد جديد لاستئناف المحادثات، لكن الاتفاق كان حول اخراج اي طرف ينتهك الهدنة لاحقاً من دائرة المحادثات. في هذا المقال سنحاول الاشارة الى بعض من نقاط الخلاف بين الاطراف المتحادثة وبالخصوص امريكا و روسيا، والاشارة الى الاطراف المعطلة لخيار العملية السياسية.
نقاط خلاف، و قراءة ما بين السطور
اولاً: نقطة الخلاف الرئيسية بين الاطراف المتحاورة تتمثل بالرؤية حول مستقبل سوريا، هذه الرؤية تنقسم بين من يرى خيار السلام واحياء العملية السياسية من جهة وبين من يرى خيار الاستنزاف ومزيد من اطالة امد الازمة من جهة اخرى، على سبيل المثال لا الحصر اعتبر وزير الخارجية الروسي " ان الاسد يؤكد التزامه بكل القرارات الدولية ومنها انشاء حكومة انتقالية والحوار مع المعارضة" فيما اعتبر وزير الخارجية الامريكية "جون كيري"؛ "أن شهر آب/ أغسطس ليس إلزامياً للوصول إلى حكومة انتقالية".
فالواقع الميداني السوري على مدى السنوات الخمس الماضية تمثل بمحاولة ضغط امريكية وحلفاؤها ومن خلال جماعات الفكر الاجرامي لفرض واقع سوري لا يقبل العملية السياسية او تسوية الا وفق شروط امريكية، وبالتالي الذهاب الى خيار اسقاط الحكومة السورية والمجيء بنظام يلبي المطامع الامريكية ليس في سوريا فقط بل المنطقة بأكملها، مضافاً الى خيار التقسيم. فيما تمكن الشعب السوري وجيشه وبدعم من حلفاءهم خلال السنوات الماضية من فرض واقع يقول ان لا حل في سوريا الا بتعزيز العملية السورية والقضاء على الجماعات الاجرامية، وبالتالي تهيئ المناخ الذي يسمح باسترداد الجيش السوري وشعبه زمام المبادرة.
لهذا ترى امريكا وحلفاءها انهم اصبحوا مضطرين مؤخراً للذهاب الى مباحثات حول سوريا، لأنه اذا ترك الأمر للميدان ولم تجري أي مداخلة سياسية فإن النتيجة الحتمية ستكون هي سير الأمور نحو نصر حاسم مكلف لكنه مؤكد لحساب سورية وحلفاءها وهذا لن يكون لصالح أمريكا وحلفاءها لان أمريكا لن تستطيع حفظ موقع ودور لها في المعادلة الإقليمية التي تشكل سورية مصدر صناعتها الأساسي.
ثانياً: نقطة الخلاف الرئيسية الثانية بين الاطراف المتحاورة تتمثل بتحديد اللاعبيين السياسيين لأي عملية سياسية مستقبلية في سورية من جهة، واللاعبيين المؤثرين في حل الازمة السورية من جهة اخرى، فالطرف السوري يصر على اعتبار الجماعات التي تسببت بإهراق الدم السوري وارتكاب المجازر والتي تعمل لمصالح خارجية ولا يوجد لها اي تمثيل شعبي سوري لا يمكن اشراكها في العملية السورية، فيما يحاول الطرف الامريكي وحلفاءه اقصاء لاعبين سياسيين اساسيين على الساحة السورية كالاكراد مثلاً الذي يقلق الجانب التركي، وادخال جماعات اجرامية على ساحة الحوار السوري ورفض اعتبارها جماعات تكفيرية.
كمثال على ذلك احرار الشام وجند الشام، فيما الاصرار السوري على اشراك الاحزاب الكردية في اي عملية سياسية ومباحثات لحل الازمة باعتبارهم لعبوا دوراً كبيراً في مواجهة الجماعات الاجرامية الغربية. وكانت تصريحات "لافروف" في هذا الخصوص واضحة حين اعتبر "إن أولويتنا تسوية الملف السوري بشكل سلمي ومحاربة الإرهاب" كما وتصريحه "انه لا يمكننا أن نجبر الاسد على المغادرة فهو جزء من العملية السياسية" مضيفاً أن موسكو لا تحميه كشخص ولكن تحمي الدولة السورية كعضو في الأمم المتحدة. وتابع "أن الأسد يؤكد التزامه بكل القرارات الدولية ومنها انشاء حكومة انتقالية والحوار مع المعارضة" لافتاً إلى "أن بعض الأطراف ترى جبهة النصرة كطرف خير وهذا ما يجب مناقشته". وأكد على وجوب عدم إقصاء أي طرف من المحادثات السورية ولاسيما الأحزاب الكردية، وقال "أكدنا القاعدة القانونية للتسوية السورية بالكامل دون حذف أي بنود".
اذن الجانب الامريكي وحلفاؤه يحاولون تضييع الوقت الذي من شأنه اطالة الازمة من جهة، والّلعب على وتر المد والجزر بين المحادثات من جهة وتسليح التكفيريين من جهة أخرى، بإنتظار ان يتم تحقيق مكسب في نقاط الخلاف سابقة الذكر، تجدر الاشارة الى ان هناك مسعى من قبل الاطراف الدولية المشاركة للعب دور اكبر في تشكيل الآلية المستقبلية للوضع السوري، لأن ذلك يعني مزيد من الثقل والدور والتأثير لها في المنطقة، هذه الاطراف الدزلية المشاركة من جهة، وحجم مشاركتها من جهة اخرى هو من نقاط الخلاف ايضاً.