الوقت- لاقى معرض رسوم الهولوكوست الكاريكاتيرية بطهران ردود أفعال واسعة في الكيان الإسرائيلي وأمريكا على حدّ سواء، فبعد تداول العديد من المواقع الإسرائيلية لصور المعرض الذي تنتقده الكثير من المصادر الإسرائيلية فضلاً عن إثارته لغضب نتنياهو الشديد، أدان كل من المتحدث باسم الخارجية الأمريكية واالمدير العام لليونيسف هذا المعرض الذي تنظمه مؤسسات غير حكومية ويحتوي على150 عملا من 50 دولة بمشاركة فنانين من دول عدّة بينها فرنسا.
بادئ ذي بدء، لا ندري أسباب هذه الحساسيّة الإسرائيلية والغربية على المعرض، خاصّة أن الجزء الأكبر من صور المعرض، أي الرسوم، تنتقد ما تراه توظيفا للمحرقة من قبل الکیان الإسرائيلي لصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، إلا أن التدقيق في الواقع الإسرائيلي، على الصعيدين السياسي والأمني، يكشف أسباب هذا الإمتعاض من معرض طهران، ويمكن إيجاز هذه الإسباب في النقاط التالية:
أولاً: إن تعرية الهولوكوست عبر هذه الرسوم واللوحات الفنية تقطع الطريق على ذريعة إسرائيل المعلّبة، والتي تحضر دائماً عندما تسعى السلطات الإسرائيلية لإظهار قناع الطفل البريئ الذي يخفي خلفه أبشع المجازر الدموية. إن التعاطف العالمي الذي نجح اليهود جلبه، وإستثمره الكيان الإسرائيلي، من المحرقة بصرف النظر عن واقعها التاريخي وطبيعتها، كان سببا للعديد من النجاحات السياسية والعسكرية التي حقّقتها إسرائيل في العالم منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا، وفي حال تضعضع هذا السبب أو زال ستخسر إسرائيل الكثير من الدعم الغربي على كافّة الصعد.
ثانياً: إن هذه المحرقة تعد سببا برّقاً للترويج لمعاداة السامية وخلطها مع معاداة اليهودية، رغم أن هناك إختلاف جوهري بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، والكيان الإسرائيلي يسعى للخلط بين هذه المصطلحين لغايات سياسية. معاداة السامية هي عمل عدائي أو تحيز ضد المواطنين اليهود، أما الصهيونية فتشير إلى الحركة التي سعت لإنشاء دولة لليهود في الشرق الأوسط، مشابهة للأرض التاريخية المزعومة لإسرائيل، وهو ما يعارضه المناهضون للسامية.
ثالثاً: إن فقدات السلطات الإسرائيلية لهذه الحصانة تفتح باب المسائلة التاريخية في كل المجازر التي إرتكبها الشعب والجيش الإسرائيلي، بدءاً من العام 1948، مروراً بحربي الـ67 والـ73 وصولاً إلى حروب لبنان وغزّة. رفع حصانة "المحرقة" عن إسرائيل تعني فتح العديد من جرائم حربها في محاكم العدل الدولية، كمجازر قانا وغزّة ورفح وجنين وصبر وشاتيلاً، إلا أن هذه المسائلة وبعض النظر عن قدرة تنفيذها أو إستصدار أي حكم، تكشف وجه إسرائيل الحقيقي وتفتح باب المسائلة على واشنطن نفسها التي لطالما كانت الداعم العسكري والإقتصادي الأول للجيش الإسرائيلي في كل الحروب التي خاضها والمجازرالتي إرتكبها.
رابعاً: إن هذه المواجهة السلمية والفنية مع المشروع الإسرئيلي تفتح باب المواجهة الناعمة، أو الرد الناعم، على الحروب الناعم التي تخوضها كل من الکیان الإسرائيلي وأمريكا سواءً على شعوبنا العربية والإسلامية أو على الشعوب الغربية نفسها عبر تشويه صورة الإسلام. يصعب على واشنطن إسكات هذه الأصوات عبر ذريعة الإرهاب، ولعل الخشية من إنتقال هذه العدوى إلى الغرب حيث إرتفعت في الآونة الأخيرة العديد من الأصوات المندّدة بالإفعال الإسرائيلية سواءً في الغرب، أو في التعاطي مع الشعب الفلسطيني تقف خلف هذه الإنتقادات والتصويب عل المعرض.
خامساً: المسابقة تقام منذ العام 2006 في طهران، إلا أن المسابقة الأخيرة في هذا العام لاقت ضجيجاً أكبر من السابق والسبب في ذلك يعود لأسبب تتعلّق بالإتفاق النووي. ترفض كل من وأمريكا والکیان الإسرائيلي إنفتاح العالم على طهران، ولعل الهجوم الحالي بوتيرة عالية يسعى لكبح جماح أي دولة تسعى لتعزيز علاقاتها مع طهران إثر الإتفاق النووي. بعبارة آخرى، تسعى واشنطن من خلال هذا الهجوم لعكس واقع مخالف لما أثبتته طهران أمام العالم على طاولة مفاوضات الـ5+1.
سادساً: إن تعرية الکیان الإسرائيلي يعد خطاً أحمر بالنسبة لواشنطن في هذه الظروف تحديداً، فهذه المعارض تكشف واقع سلمي مغاير لماذا تسعى أمريكا وأوروبا للترويج له تحت سياسة إسلام فوبيا. فقد شكّلت التنظيمات الإرهابية بيئة مناسبة للعودة إلى السابق في حصانة عمياء خفّت وتيرتها خلال العقد الماضي، وذلك بعد مشاهدة شعوب العالم للمجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. البوصلة الغربية تسعى للتمركز على "الإسلام فوبيا" و"إيران فوبيا" والحؤول دون أي مؤثرات كالهولوكوست تعدّل البوصل عن وجهتها الحالية.