الوقت ـ يعود المشهد اليمني الى الظهور متوترا" مجددا", عبر تنامي حوادث الإغتيال وتعطيل منتجات الحوار الوطني بين أطياف المجتمع والمثقفين السياسيين, والجميع يلقي باللائمة على الطرف الاخر. فالوضع الأمني لاتحسد عليه الدولة اليمنية بسبب ضعفها خاصة في هذه المرحلة التي أعقبت الاطاحة بنظام علي عبدالله صالح وما نتج عن ذلك من دخول بعض المنظمات الارهابية التي وجدت من اليمن ملاذا "آمنا" لها. فأصبح الأمن هو الهاجس الأول للمواطن اليمني بدلاً من الحرية والتداول السلمي للسلطة ومكافحة الفساد التي خرج من أجلها الشباب منذ أربع سنوات. بل كثر الحديث عن انتهاك الحريات الشخصية والتفتيش خارج القانون وحتى الاعتقال.
فلقد تعرض اليمن في الأونة الاخيرة الى عمليات إرهابية شنتها القاعدة راح ضحيتها عشرات اليمنيين, فخلال الأسبوعين الماضيين تعرضت كل من مدن إب وذمار والعاصمة صنعاء الى تفجيرات ادت الى مصرع نحو 80 شخصا ومايزيد عن 100 جريح.
بالإضافة الى التفجير الذي تعرض له احتفال الحوثيين في مولد الرسول الاكرم والذي اسقط 75 ضحية, ناهيك عن عمليات الإغتيال التي طالت كثيرين, كلها أحداث تنبه بالأتي الأعظم الذي ممكن أن تتعرض له اليمن في المستقبل القريب.
وأعطت هذه العمليات العنيفة التي سبقتها العديد من العمليات المماثلة أو القريبة منها خلال الشهور الماضية، مؤشرا قويا بأن الصراع لم يقتصر على المواجهات الدموية بين المسلحين الحوثيين ومقاتلي تنظيم القاعدة، وأنه فتح شهية أطراف أخرى للدخول في الحلبة.
امام هذا المشهد اتهم الحوثيون الرئيس هادي والمكونات السياسية بالمغالطة والسعي الى فرض مشروع الاقاليم وتسليم مسودة الدستور النهائية رغم وجود تحفظ على ذلك وكذلك تجاهل التنبيهات التي تفيد بعدم سكوت الشعب على تلك الخطوة مهما كلف الأمر.
فمشروع الأقاليم الذي صاغته لجنة عينها الرئيس اليمني، بتاريخ ۱۰ فبراير ۲۰۱۴ قسمت اليمن إلی ۶ أقالیم في إطار حكومة اتحادية، هذا التقسيم كان عبارة عن خطة خارجية حاول ترجمتها الرئيس اليمني (الذي تربطه علاقات وثيقة بالسفارة الامريكية في اليمن) من اجل التضييق على الحوثيين عبر فصلهم عن البحرالذي يتصلون به من خلال محافظة حجة غربي صعدة بالبحر الأحمر، وهذا الاتصال سینقطع مع تشکیل إقلیم تهامة، وهکذا سیفقد الحوثيون اتصالهم بخارج الیمن من الشرق والغرب.
ناهيك عن ان المحافظات المتاخمة للسعودية (باستثناء صعدة التي یسیطر علیها الحوثيون) والتي لها نسیج قبلي وهي غنیة بالنفط ولها علاقات وثيقة بالسعودية، ستستقلّ في إطار إقلیمي "سبأ" و"حضرموت". وهکذا ستصبح هذه القبائل قویة من خلال توزيع أرباح النفط بين القبائل الموالية للسعودية. ونظراً للتفكير التكفيري لهذه القبائل فإن قدرتهم ستشکل تهديداً خطيراً لاستقرار وأمن الشعب اليمني في المستقبل.
ازاء هذه الازمة حاول الحوثيون الابقاء على قنوات التواصل مع الرئيس اليمني من اجل معالجة الامور والتوصل الى صيغة تلغي مشروع الاقاليم, لكن واجهت هذه المحاولات بالرفض من قبل الرئيس الذي حاول تمرير المشروع من خلال مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك (الذي يعد شخصا مقربا) جدا" من السفارة الامريكية و كان مرشحا"لتولي رئاسة الوزراء وتم منه من ذلك), لكن اللجان الشعبية التابعة للحوثيين اضطرت إلى اتخاذ خطوة جريئة تتصل بإيقاف مبارك، بهدف عدم تمرير مسودة الدستور الجديد بصورة غير توافقية كما ينص اتفاق السلم والشراكة الموقع بين الحوثيين وكل الأطراف السياسية في الساحة اليمنية الذي ينص على الشراكة والتشاور بين المكونات السياسية. مشترطة اطلاق سراحه بإقصائه عن منصبه لأن القضية الأساسية هي قضية مسودة للدستور ووحدة اليمن.
خطوات اتخذها الحوثيون مرغمين من اجل الحفاظ على وحدة اليمن في الوقت التي سقط فيه 9اشخاص و60 جريحا"، صباح الاثنين، نتيجة اعتداء نفذته قوات الحماية الرئاسية ضد اللجان الشعبية في جولة المصباحي وموقع النهدين بالعاصمة صنعاء، بحسب مصادر محلية.
ونقلت وسائل اعلامية أن اشتباكات اندلعت بين الطرفين، نتيجة الاعتداء، حيث تم استخدام الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وتصاعدت أعمدة الدخان في مواقع قريبة من دار الرئاسة بصنعاء.
وفيما أكدت مصادر يمنية أن "قيادات في الجيش اليمني رفضت أوامر الرئيس هادي بالتصعيد ضد اللجان الشعبية واتخذت الحياد"، دعت الرئاسة اليمنية إلى وقف إطلاق النار واجتماع عاجل لكافة القوى السياسية بما فيها حركة أنصار الله.
من جهته، تحدث الناطق باسم الحركة محمد عبدالسلام عن مشاركة عناصر تكفيرية لألوية الحماية الرئاسية في الاعتداء على اللجان الشعبية والمدنيين في العاصمة صنعاء.
امام هذه التطورات سارع الرئيس اليمني الى عقد اجتماع مع كافة مستشاريه، بما فيهم المستشار الرئاسي عن الحوثيين صالح الصماد. محاولة اراد من خلالها الالتفاف على الحوثيين فقبلا" لم يتجاوب مع جهود القوى السياسية وأراد إرباك المشهد السياسي لتمرير مشروع الأقاليم لخدمة الخارج ولعلمه أن أي اتفاق بين المكونات السياسية سيؤدي إلى استفتاء يخرجه من المشهد السياسي، فجمع اللجنة الأمنية وطالبهم بإعلان حالة الطوارىء في مواجهة اللجان الشعبية ابتداء من الساعة الرابعة فجر الاحد الماضي، ولكن نظرا للروح الوطنية للقوات المسلحة رفضت القيام بهذه الخطوة والدخول في صراع مع المكونات السياسية.
اذا" وبناء لما تقدم فإن اليمن مهدد بالتمزيق , تمزيق تسعى اليه الجماعات التكفيرية من جهة ومن جهة اخرى مشاريع داخلية موجهة خارجيا"من اجل مصالح عمياء تضع اليمن على حافة الهاوية, هاوية قد لا توفر احدا" الا وتسقطه فيها, فالايام القادمة كفيلة بتوضيح المشهد العام إما يمنا" قويا" أو بلدا" مقطع الأوصال.