الوقت- "عزّكم من ذل اليمن وذلكم في عز اليمن" هذه الكلمات هي وصية موسس الدولة السعودية الملك عبد العزيزآل سعود، وصية من انسان عمل جاهداً في حياته على تحقيق هذا الهدف واستلم بعده اولاده واحفاده وعملوا جميعا على تنفيذ هذه الوصية أيضاً، ولا زالوا.
بعد الثورة اليمنية وظهور انصار الله على الساحة برز تخوف لدى حكام السعودية من تأثير الثورة على بلدهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وبحسب محللين فإن مخاوف السعودية تبرز تجاه ملفات الإرهاب والقاعدة الذي تدعمه خارج الحدود وتحاربه داخلها وأنصار الله إلى جانب خشيتها من انتقال عدوى الثورة عبر الحدود اليمنية للداخل السعودي .
تساؤلات عديدة تطرح بالشارع اليمني عن حقيقة الموقف السعودي من ثورة اليمن، فبعد فشل المبادرات الخليجية في الالتفاف على الثورة وابقاء الرئيس السابق علي عبدالله صالح في سدّة الحكم، لماذا تدعم السعودية ارهاب القاعدة في اليمن لضرب أنصار الله، ولماذا تحاول ابعاد أنصار الله من الساحة بعد تشويه صورتهم لدى المواطن العربي؟ لماذا ولماذا، تساؤلات قيد البحث.
لم تكن زيارات وزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله بن عبد العزيز لواشنطن، الأولى في منتصف فبراير 2014، والثانية في النصف الثاني من نوفمبر العام نفسه عن ملف اليمن ببعيد، بل كان حاضراً بقوة على الطاولة، حتى أن متعب خاطب الأمريكيين قائلاً: ملف اليمن بالنسبة لنا، أهم من الملف النووي الايراني"، مع العلم أننا ندرك جميعاً حساسية الملف النووي الايراني بالنسبة للسعودية، فما الزيارات المكوكية لوزير الخارجية سعود الفيصل الى موسكو وجنيف أثناء المفاوضات النووية الاخيرة بين ايران ودول ال5+1، واللقاءات على متن الطائرات الا لضرب أي اتفاق نووي قد يحصل، فما سر هذه الأهمية للملف اليميني؟.
تخشى السعودية الثورات في الأماكن الجغرافية البعيدة، فكيف سيكون الحال في بلد مثل اليمن، فهي لا تريد أي بلد قوي في منطقة الخليج الفارسي، وبالتالي لا تريد يمن قوي، وذلك لاعتبارات تاريخية، فمشكلتها مع اليمن هي مشكلة مع المكونات الرئيسية للمجتمع اليمني، حيث تختلف مع الجار اختلافاً جذرياً فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية وحرية الرأي والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، لذلك كانت المؤامرة الخليجية بهدف ضرب الشعب اليمني، خاصةً أن الولايات المتحدة أوكلت الأزمة اليمنية إلى السعودية، ليس لكونها لاعبا مؤثرا فقط في الشأن اليمني ولها نفوذها ورجالها أو للأثر المباشر عليها ودول الخليج الفارسي الأخرى فحسب، بل كذلك لتحمل الأعباء المالية أثناء الأزمة وما بعدها.
اذاً، تعمل السعودية ليل نهار على اضعاف كافة الأطراف في اليمن، فالدعم الغير رسمي للقبائل، ورفض المطالب اليمنية بالتوقف عن هذا الدعم، والعمل على ان يكون اليمن ضعيفاً، والخشية من انتشار الحريات السياسية المنفتحة في اليمن، ودعم التيارات الدينية المتطرفة، واقصاء "أنصار الله" المكون اليمني الأقوى على الساحة لأسباب طائفية، تلك ابرز عناوين أجندة السعودية في اليمن، والتي تناولها تقرير أعده اولف ليسينج ونشرته وكالة رويترز للأنباء.
جاء في التقرير الذي تناقلته وسائل الاعلام المحلية والعالمية التالي: "يؤدي تمويل السعودية للقبائل اليمنية من أجل محاربة تنظيم القاعدة إلى تقويض سلطة الحكومة المركزية اليمنية في الوقت الذي تحتاج فيه الحكومة إلى كل قوتها لمواجهة التهديدات الأمنية".
نحن ذكرنا أن السعودية تدعم القاعدة في مواجهة انصار الله، فكيف لها أن تدعم القبائل في مواجهة القاعدة؟ ألا يوجد تعارض؟
بالعودة الى جملة عبد العزيز"عزّكم من ذل اليمن وذلكم في عز اليمن"، نرى أن الازدواجية في السياسة السعودية تجاه اليمن تنطلق عن سابق تصميم وارادة، فهي لا تريد أي طرف قوي في اليمن، لأن صنعاء هي حديقة خلفية من وجهة نظرهم، وما دعم هذا الطرف هنا وضربه هناك الا تنفيذا لمقولة عبد العزيز آل السعود الشهيرة.
لا ننكر أن السعودية هي لاعب قوي على الساحة اليمينة ولها نفوذها ورجالها، ولكن الى متى سنتحمل كشعب يمني أعباء التدخل السعودي في الداخل والذي نتج عنه مئات الشهداء وألاف الجرحى، لذلك أتوجه لآل سعود واتباعهم في الداخل اليمني بالقول أولاً: ثورة اليمن كانت ضرورة نظرا للمشكلات التي عانى منها الشعب سواء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وثوار اليمن ليسوا بصدد تصدير ثورتهم للآخرين، ثانياً: على آل سعود أن يدركوا جيداً أن عز السعودية هو في عز اليمن، وفقرها في فقر اليمن، ثالثاً: لن يعود اليمن حديقة خلفية للسعودية كما كان الحال منذ أيام الوحدة الى أيام الثورة بأي شكل من الأشكال، أخيراً وليس آخراً: مهما فعل الطغاة، فان ارادة الشعوب في الحياة والعيش بحرية وشرف وكرامة لا تقهر وهي التي ستسود في النهاية، ولن يحيق المكر السيئ الّا بأهله.