الوقت- ما عدا داعش وأنصارها والمؤيدين لها لا أحد يختلف في ضرورة وجود تكاتف دولي للقضاء على هذه الجماعة الارهابية، بل على المتضررين من داعش أن يستغلوا ويستثمروا كل خطوة ومبادرة حتى لو كانت صغيرة تعينهم على إضعاف داعش والحد من نفوذها وقوتها وانهاء احتلالها للاراضي.
ولا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان ظهور داعش والجماعات المتطرفة وتفاقم دورها وخطورتها جاء نتيجة غياب ارادة دولية واقليمية في وضع حد لنشاط هذه الجماعات ان لم نقل ان بعض الدول تقوم بدعمها وتعزيز قوتها لتحقيق غايات دنيئة وفقا لحسابات خاطئة، من هنا فانه يتعين على الجميع مباركة أية خطوة حقيقية من أجل القضاء عليها، ومن الطبيعي أن يكون العراق في مقدمة المؤيدين لمثل هذه الخطوات لأنه بأمس الحاجة اليها.
ولكن..
هل التحالف الدولي باستطاعته تحقيق هذا الهدف، بغض النظر عن الدور الذي لعبته بعض دول التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في ظهور الجماعات الارهابية وتعاظم قوتها وتزايد جرائمها؟
هناك الكثير من الأسئلة تشكل علامة استفهام كبيرة حول الهدف الحقيقي من البالون الاعلامي الكبير الذي اطلقه التحالف للقيام بعمليته في العراق، في مقدمة هذه الأسئلة، الم يعلن الرئيس الأميركي في بداية حملته الانتخابية بأنه لن يتدخل عسكريا في أي بلد خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة، لماذا تصر الادارة الأميركية على القول ان أمد هذه الحرب سيستمر لعدة سنوات وانها ستكلف مئات المليارات من الدولارات، ماذا كان يقصد الجنرال جون آل منسق التحالف قبل أيام عندما قال أن اوباما لايريد القضاء على داعش، بماذا يمكن تفسير انضمام بعض الدول الى التحالف في الوقت الذي تدعم فيه هذه الدول داعش، أليس القاء طائرات التحالف المساعدات والأسلحة والعتاد على داعش وفي نفس الوقت قصفها لمواقع الحشد الشعبي والجيش العراقي مثيرا للشكوك؟
هذه الهواجس وغيرها لا تعبر عنها دول وقوى وأحزاب محور الممانعة وحسب، وانما يعبر عنها بصورة أو باخرى مسؤولون عراقيون خاصة وأنهم معنيون بالدرجة الأولى بهذا التحالف وداعش، فقد أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال استقباله في بغداد منسق التحالف جون آلن يوم أمس الثلاثاء " ضرورة زيادة وتيرة الضربات الجوية المؤثرة ضد مواقع داعش" مما يعني أن الضربات المؤثرة ضد داعش ضئيلة.
وفي موقف أكثر صراحة من العبادي أشار السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الأعلى خلال استقباله لآلن ايضا يوم أمس في بغداد الى مخاوف وهواجس ابناء الشعب العراقي من مستوى أداء وجدية التحالف الدولي في حربه ضد التنظيم الارهابي داعش، داعيا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لإثبات حرصها وجديتها في مكافحة الارهاب ومساعدة الحكومة والشعب العراقي بشكل أفضل وأوسع من اجل الحاق الهزيمة بهذا التنظيم الاجرامي.
بغض النظر عن هذه الاسئلة التي سنحاول الاجابة عليها في سياق المقال فان تصدي الادارة الأميركية وبعض الدول الغربية للتحالف بحد ذاته يساهم في تزايد قدرات داعش، فهناك ممن يسمون بالمتطرفين الاسلاميين الذين غسلت أدمغتهم يبحثون عن أية معركة تشارك فيها الدول الغربية للانتقام منها، هذا اذا قلنا ان التحالف صادق في القضاء على هؤلاء وان هؤلاء ليسوا عملاء للغرب ولا ينفذون مشروعهم.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فانه من المستحيل القضاء على داعش من خلال توجيه الضربات الجوية لمسلحيها، فبالاضافة الى أن الضربات الجوية تصيب مرة وتخطئ عشرات المرات فان المسلحين بامكانهم أن يختبئوا بمجرد سماعهم هدير الطائرات.
من المآخذ الرئيسية على التحالف الدولي ضد داعش انضمام دول ساهمت بصورة مباشرة أوغير مباشرة في ظهور داعش ونموه اليه، فغير خاف على أحد دور الدول في الخليج الفارسي ليس في ظهور داعش وحسب بل وايضا في تدهور الوضع الأمني والسياسي في العراق منذ 2003 وحتى اليوم، فحتى لو لم تقدم هذه الدول الدعم المباشر للارهابيين في العراق فان خصومتها مع العراق الجديد بحد ذاته تسبب في عدم استقراره، بالاضافة الى الفتاوى التي تصدر من هذه البلدان والأموال التي تضخ للارهابيين تحت غطاء المنظمات الانسانية والخيرية، هل تساءل أحد لماذا لم تفتح المملكة العربية السعودية حتى اليوم سفارتها في بغداد، أليست الأردن تؤوي المئات من الارهابيين والمعارضين للعملية السياسية وبقايا نظام صدام في أراضيها، ألم تقام مجالس العزاء والفاتحة خلال الايام الفائتة على المعدوم صدام حسين في عمان ومدن أردنية أخرى؟
أغرب ما يلفت النظر في قضية انضمام بعض الدول الى التحالف الدولي ضد داعش هو دولة الامارات التي نشرت لائحتها للمنظمات الارهابية تزامنا مع اعلانها الانضمام الى التحالف، وكانت من بين هذه المنظمات قوى واحزاب عراقية لعبت ولا تزال دورا رئيسيا في تسديد الضربات لداعش والحاق الهزائم بها وتحرير المناطق العراقية من سيطرتها، أليس من حق هذه القوى والاحزاب أن تشكك بانضمام الامارات الى التحالف، ومن يضمن أن لا تقدم طائرات الامارات على ضرب مواقع القوات التابعة لهذه القوى خاصة وانها تعتبرها قوى ارهابية؟
لقد أثبتت القوات العراقية قدرتها على النيل من داعش والحاق هزيمة منكرة بها، والعراق لا يحتاج الى مقاتلين فبالاضافة الى وجود الجيش والقوات الأمنية لعبت فتوى المرجع السيستاني التي دعت الى ضرورة الدفاع عن العراق وادت الى تشكيل قوات الحشد الشعبي؛ دورا كبيرا في وضع حد لتمدد داعش وسيكون لها الأثر الأكبر في الحاق الهزيمة بها، غاية ما في الامر ان القوات العراقية بحاجة ماسة الى الأسلحة المتطورة والذخيرة وكذلك الى المعلومات التي تمتلكها الولايات المتحدة حول داعش لتحسم موضوع هذه المنظمة الارهابية، وامتناع واشنطن عن تسليح القوات العراقية ورفده بالمعلومات بحد ذاته يثير العديد من الشكوك والتساؤلات حول تأسيسه للتحالف.
حسين صالح