الوقت- بدأ الحوثيون (أنصار الله) نشاطهم السياسي الرسمي في عام 1990 بعد توحيد اليمن الشمالية والجنوبیة عبر تأسیس "حزب الحق". وفي عام 1997 انفصل نجل العلامة بدرالدین من حزب الحق وأسّس برفقة أنصاره حركة "الشباب المؤمن". وکان الزعيم الروحي للحوثيين هو بدرالدین الحوثي أحد أبرز علماء الزيدية، وتولی أبناؤه دور القیادة السیاسیة والعسکریة للحوثيين. وفي الوقت الحالي یتولی عبدالملك الحوثي قیادة هذه الحرکة.
وفي هذه الفترة بدأ الحوثيون أنشطتهم في منطقة صعدة الواقعة على الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية. ويبلغ عدد سكان هذه المنطقة أكثر من 700 ألف شخص ومذهب معظهم هو الزيدية. ومع نفوذ الوهابيين في هذه المنطقة، یشعر العديد من الزيدية بالقلق إزاء فقدان تراثهم الفكري. وعلاوة على ذلك، ففي ظل غياب الخدمات الحكومية وحالة الإهمال الرسمي في هذه المناطق، فقدت الأعمال والمناصب الحكومية بریقها وعقد معظم الناس آمالهم علی حرکة الحوثیین أکثر من أملهم علی الحکومة.
وفي هذه المناطق، تعاني الحكومة اليمنية أمام الحوثيين من الضعف والتفکك، وأوکلت بعض واجباتها إلی الآخرین بشکل طوعي، وتخلت عن معالجة مشاکل الناس وحل الخلافات. وهذا الأمر بعینه أدی إلی توطيد وتعزيز دور النشطاء غير الرسميين وعلی رأسهم الحوثیین في صعدة، الذین یسیرون جنباً إلی جنب الحکومة علی مستوی الحكومة المحلية والانتخابات والأوقاف والتعلیم، واستطاعوا تعزيز وجودهم في ظل ضعف القطاع الرسمي.
ومع ذلك، لم تظهر حركة الحوثيین أي ميل نحو الاستقلال أو تصرف مغایر للعلامات والرموز الخاصة للحكومة، سواءً الظاهریة مثل العلم أو النشید الوطني أو في المضمون مثل معارضة وجود الحكومة الوطنیة. وحتی أنها لم تفکر مطلقاً بعدم الامتثال للحكومة، وأکدت أنها رغم تمکنها من السیطرة علی محافظة صعدة أثناء الحرب، لکنها لم تهاجم أي مرکز حکومي في المدینة.
وعلی هذا الأساس، أکد الحوثیون وفي مقدمتهم قائدهم عبدالملك الحوثي دائماً علی أنهم لم ینظروا قط إلی الأغراض السياسية البحتة، بل کانت مطالبهم في سبیل تحسين ظروف المناطق الشيعية في کل الأبعاد. وکانوا یعلنون دائماً أنهم لا یتلقون دعماً من أي دولة حتی إیران، وأن مطالبهم هي مطالب داخلیة وفي الإطار السیاسي والاجتماعي، وإن کانت تصطبغ بالصبغة السیاسیة أحیاناً نتیجة لعدم اکتراث الحکومة المرکزیة لها.
کما أنهم یشیرون إلی أن برامج وخطط الحوثيين منذ تأسیس حرکتهم قبل أن تؤکد علی القضايا الداخلية، کانت ترکّز علی مواضیع مثل محاربة أمريكا ودعم فلسطين، ولکن لاحقاً وبسبب تصرفات الحكومة المركزية، مال الاتجاه الحالي للحوثيين نحو القضايا الداخلية أیضاً. ذلك أن الخلاف في وجهات النظر السياسية مع الحكومة المركزية حول أمريكا والکیان الإسرائيلي، تجاهل الحكومة للوضع الخاص الذي تعیشه محافظة صعدة وعدم تنفیذ الإجراءات التنمویة، هي من جملة القضایا التي أشعلت الخلاف بین الحوثیین والحکومة منذ السنوات التي تلت توحيد اليمن إلی یومنا هذا، واستمرت حتی بعد انتصار ثورة 2011 وتغییر حکومة علي عبدالله صالح.
وفي الواقع إن الحوثيين الذین جرّبوا على مدى السنوات العشر الماضية أكثر الهجمات الثقيلة للجيش اليمني أثناء فترة علي عبدالله صالح، وکانوا یرزحون تحت أکبر الضغوط والحرمان والحظر الاقتصادي وکذلك هجمات المجموعات التکفیریة ، أعلنوا منذ انطلاق ثورة الشباب في فبراير عام 2011 مباشرة ، انضمامهم للثوار من أجل الإطاحة بنفس الحکومة التي شنّت علیهم ست حروب متتالیة.
کما أنهم کانوا یریدون من خلال المشارکة في هذه العملیة، الخروج من العزلة التي فرضت عليهم لکي یحظوا بالدعم الشعبي ویحطموا الیافطات التي کانت تقدّمهم علی أنهم مجموعة متمردة . وعلاوة على ذلك فهم لم یکونوا یریدون السماح لسائر التیارات احتکار الترتیبات بعد حکومة صالح وأخذ زمام الأمور.
إن انطلاق النهوض الثوري للشعب اليمني، وفّر مساحة لحوثیي الشمال لینشطوا بحرية أكبر، لأنه مع إسقاط حکومة صالح واختیار عبدربه منصور هادي المؤقت وترکیز الحكومة البديلة علی محاربة القاعدة بالتنسیق مع القوی الخارجیة، امتنعت حکومة هادي خلافاً لحکومة صالح من استخدام القوة العسکریة لمواجهة الحوثیین، وسعت من خلال فتح باب الحوار مع هذا التیار، إلی تشجیعها علی المشارکة في بناء الیمن الجدیدة.
