الوقت- لكل مواطن أمريكي بغض النظر عن میوله الأيديولوجية والحزبية، یحتلّ یوم الـ 11 من سبتمبر أهمية رمزية كبيرة لدیه. وليس من قبيل الصدفة أن الرئيس الأمیرکي باراك أوباما قد أعلن الحرب غير المتماثلة الجدیدة علی داعش علی أعتاب ذكرى الهجوم الإرهابي على مركز التجارة العالمي والبنتاغون.
في عام 2014، حلّ هذا التنظیم محلّ القاعدة باعتباره الخصم الرئیسي لأمريكا وحلفائها. إن أساس وجود داعش يدل على أن برنامج أمريكا في مجال دمقرطة الشرق الأوسط وجعل العراق "واجهة" لهذه السیاسة لم یتم تطبیقها. ويمكن القول إن أساس ظهور داعش کان نتيجة مباشرة لأخطاء السياسة الخارجية الأميركية في إحدی أكثر المناطق المضطربة من العالم. طبعاً قبول هذا الادعاء لا يعني أن الإحباط الأمريكي الحالي واحتمال فشلها في الشرق الأوسط، سیؤدي إلی انتصار روسيا لا محالة، وإن کان هذا الانطباع من السياسة الدولية أصبح شائعاً على نحو متزايد في أوساط السياسيين والخبراء والصحفيين الروس.
قبل حوالي أسبوع من خطاب أوباما، وجّه قادة داعش في رسالة مصورة تهديدات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متوعدین إیاه لیس بـ"إسقاط العرش الملکي" فحسب، بل بعدم الاستقرار في شمال القوقاز على نطاق واسع. من الممکن عدم تصدیق هذه التهديدات؛ لأن داعش لم یول روسيا حتى الآن سوی القليل من الاهتمام، وهو مستاء إلی حد کبیر من الدعم الروسي لبشار الأسد، وهذا هو السبب في تهدید روسیا.
ومع ذلك منذ النصف الأول من عام 2000، تراجعت فكرة تشكيل الحكومات الوطنية في شمال القوقاز أمام الإسلام الراديكالي، واللغة السياسية التي يستخدمونها، تختلف بشکل أساسي عن اللغة السياسية للانفصاليين السياسيین. وروسیا نفسها وعلى الرغم من خلافاتها مع الغرب، تعتبر جزءاً من الغرب.
وحسب تقارير المصادر المختلفة، فإن عدد ممثلي جمهوريات شمال القوقاز والمناطق المتاخمة لبلدان ماوراء القوقاز في "جهاد" الشرق الأوسط لیس کثیراً (۲۰۰۰-۱۵۰۰ شخص)في الوقت الحالي، ولكن لا یجب تجاهل عامل "الإسلامية الدولية". ويكفي القول إن عمر الشيشاني، أحد القادة العسكريين الأكثر شهرة لداعش في سوريا یلقّب بتارخان باتیراشویلي ( والده جورجي وأمه شیشانیة تقیم في جورجيا).
ولذلك، فإن مسألة التفاعل بين موسكو وواشنطن في سوريا تسترعي انتباه ممثلي المجتمع الأمريكي المرموق. ویقول رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس إن روسیا ليست مهتمة بتعزيز موقع داعش في الشرق الأوسط، ویضیف: "المسلمون یشکلون 10 إلى 15 في المائة من سكان روسیا، والروس لا یرغبون بنشر التطرف في المنطقة".
أتی باراك أوباما في رسالته في سبتمبر حتی علی ذکر ممالك الخلیج الفارسي باعتبارها حلفاء واشنطن المحتملين في محاربة داعش، ولكن لم یتم تقديم أي اقتراح جدي لروسيا. وموسكو بدورها أیضاً لا تحبّذ تأکید الأميركيين على إسقاط النظام السوري وإحجامهم عن إيجاد حل واقعي مع بشار الأسد . ومحاربة داعش التي اقترحها باراك أوباما، ترکز من جدید علی التعاون مع "معارضي الاعتدال" الذین من الصعب تمييزهم عن الجماعات المتطرفة.
ولهذا السبب يبدو أن حلقة مفرغة يتم إنشاءها. فالتعاون في مكافحة الإرهاب بين روسيا وأمريكا یبدو معقولاً ومنطقیاً؛ لأن مركز النشاط الدولي قد انتقل من أوروبا إلى الجنوب والشرق، لکن هذا التعاون لا يمكن تطويره من دون تأثير الأحداث الأخرى، وذلك لعدة أسباب:
أولاً؛ إن الأزمة السياسية في أوكرانيا قد نقلت روسيا والغرب إلی ركنين مختلفین من "حلبة الملاكمة" العالمية، والآن ليس فقط أن الأزمة في وسط أوروبا لم تحل، بل إن سائر المناطق المتأزمة في جميع أنحاء العالم قد أدخلت السرور في قلوب الجماعات المتطرفة بسبب إهمال روسيا والغرب للأزمات ذات الصلة.
ثانیاً؛ إن التصور غير المتماثل للوضع السياسي یمنع التفاعل بین واشنطن وموسكو. فالأمر الذي تعدّه روسیا خطراً مباشراً بالقرب من حدودها وله آثار سلبیة علی أمنها الداخلي، تری فیه الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من "لغز" جيوسياسي کبیر فحسب.
وعلی هذا الأساس لیس المتحدثون باسم الأجهزة الاستخباراتیة الروسیة فحسب، بل الصحفيون والخبراء الغربيون أیضاً یؤکدون علی العلاقة بين قضایا شمال القوقاز والأوضاع في الشرق الأوسط. ومن هنا یتضح أن العدید من دوافع السلوك الروسي لم تتم صیاغتها جیداً ولم تنعکس في وسائل الإعلام بشکل جید أیضاً. ومع ذلك فلا ينبغي أن نستدل بذلك على أن سلوك السياسة الخارجية الروسية في "الخارج القريب" أو الشرق الأوسط لا یرتبط بالوضع الفعلي في شمال القوقاز وشواطئ نهر الفولغا.
وعلی أیة حال فإن موسكو وواشنطن قد أدرکتا في الوقت الحاضر أن بعض القضايا المحددة وحتى الهامة جداً مثل محاربة داعش أو بقیة التنظیمات الإرهابیة، لا يمكن حلها بشكل دائم إلا عن طریق حوار شامل حول قضايا الأمن الدولي والأوروبي.
