الوقت- "الدومینو" لعبة انتشرت في العدید من الدول العالمیة، تبدأ باسقاط حجر لیتم معه اسقاط احجار اخری مرتبطة بمخطط معین، تصل في النهایة الی ترتیب یرسم لوحة فنیة صنعها الفنان بابداع وخیال خاص. الحیاة السیاسیة الیوم اشبه بلعبة دومینو، لکن احجارها خرجت عن مسارها المخطط له، فکانت موجات ارهابیة، بدات برسم اوروبي - امریکي سقط الحجر الاول منها في سوریا،ووصلت امتداداته الی باریس. فکیف کان المخطط؟ و این اصبح الیوم؟
احجار الدومینو المتساقطة
في خمسينيات القرن العشرين، و تحدیدا مع بدايات الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي تحدث الرئيس الأميركي "إيزنهاور" في مؤتمر في 7 أبريل 1954 لأول مرة عن مفهوم نظرية "احجار الدومينو المتساقطة" قائلا ان ما يجري في الهند الصينية سيؤثر في المستقبل على دول الجوار.
و اليوم وبعد نصف قرن، هل نملك ان نستبدل واقعة الحرب الباردة، بالحرب علی الارهاب في نظرية احجار الدومينو الشهيرة؟ ألم يهيء دخول "داعش" الی سوریا، لاجرامها في لبنان، ثم لدخولها الی العراق، فاعلان تواجدها في لیبیا و اخیرا اعمالها في باریس؟ والیوم بعد تهدید "داعش" لاوروبا باکملها، الا یحتمل الواقع اکمال لعبة الدومینو الداعشیة في امریکا مثلا؟
الواقع انه لا يمكن الاستهانة بما شهدته العاصمة الفرنسية، والذي لم تنته تداعياته بعد. الجريمة التي هزت الوسط الفرنسي، حركت ايضا الدول الاوروبية باسرها، فلم تتوقف عند حدود التضامن مع الفرنسيين، انما عمدت الى تعزيز اجراءاتها الامنية ورفع منسوب الجهوزية لدى قوات الشرطة و مکافحة الارهاب، فلم تكد تمضي ساعات قليلة على جريمة باريس، حتى حذرت بريطانيا من ان مجموعات متطرفة في سوريا تخطط لمهاجمة الغرب. احداث باریس لم تقف عند "شارلي ایبدو" فقد شهدت فرنسا في اقل من يومين سلسلة اعتداءات وعمليات احتجاز رهائن، اضطر بعدها رجال الشرطة الى الاستنفار التام في مختلف انحاء العاصمة للتدخل لفرض الامن و إنقاذ المواطنين. و يرى الكثيرون ان جريمة "شارلي ايبدو" هي نقطة مفصلية ستغير وجه اوروبا، ولا يمكن اتهام هؤلاء بالتشاؤم او بالمبالغة فقاعدة لعبة الدومینو تسیر الی ما لا نهایة.
طابخ السم یتذوقه
بعد الاعلانات الغربیة المتکررة عن دعم المجموعات المسلحة في سوریا، وقعت فرنسا و اوروبا بشكل عام في الفخ الذي لم تکن تتوقعه یوما، فقد اعتقدت ان "تصدير" المتشددين من اراضيها الى الشرق الاوسط و افريقيا و مساعدتهم فنیا و عسکریا و مادیا علی کافة الاصعدة، من شانه ان يبعد خطرهم عن اوروبا. و الواضح ان هذه النظرية اعطت مفعولها لفترة من الزمن ولكنها بدات ترتد سلبا مع عودة هؤلاء المقاتلين الى اوروبا، مشبعين بما شاهدوا و سمعوا و تشربوا من ممارسات وافكار متطرفة لن يجدوها في البيئة الاوروبية التي خرجوا منها. و من الطبيعي ان يعمدوا الی نشر اسلوب عيشهم الجدید في المجتمعات الاوروبية لاعادتها وفق نظریاتهم الی الطریق المستقیم.
المساعدات الغربیة و تربیة الطفل المدلل "داعش" لم تمنع التمدد الارهابي الی الدول الاوروبیة، و ان صح التعبیر الی الدول المؤسسة لهذا التنظیم. فلا یخفی علی احد عملیة التفجیر التي طالت الحدود السعودیة سابقا، و العملیات التي تکررت في فرنسا و التهدید الاوروبي و غیرها من الاعمال التي بدات تؤکد تمدد ظاهرة الارهاب الداعشي الی اوروبا، و التي من شانها ان تکرر العملیات الارهابیة في کافة الدول الاوروبیة و العالمیة مستانفة بذلک قواعد اللعبة. و اقل ما یمکن قوله عن هذا التمدد المستمر انه یؤکد ان طابخ السم لابد ان یتذوقه یوما، و یثبت المثل القائل "من حفر حفرة لاخیه وقع فیها".
و تكمن اهمية الهجوم الفرنسي في عدم كونه اعتداء "خفيا" أو غامضا، بل نفذ على غرار اعتداءات تشهدها دول لا تتمتع بحماية أمنية كافية. إذ ليس من المعتاد في أي دولة أوروبية أن ينزل مسلحون في وضح النهار، ويقطعوا الشارع في قلب العاصمة، ويطلقوا الرصاص، ويقتحموا مبنى وسيلة إعلامية فيقتلوا من يقتلون ويغادروا دون أي مشكلة، مما يدل على استخفاف الارهابيين بالقوى الأمنية وأجهزة مكافحة الارهاب والاستخبارات. او علی نفوذ خطر لهذه المجموعات في الاوساط الفرنسیة.
درهم وقایة خیر من قنطار علاج
لعبة الدومینو هذه اشبه بانتشار المرض العضال، و اللوحة التي ستصدر عنها لا بد انها ترسم مستقبلا اسود بالوان الدم الاحمر. فالاعمال الارهابیة التي بدات تنتشر في الجسد العالمي لا یمکن ایقافها بشعارات محاربة الارهاب او تشکیل حلف یضرب "داعش" بید ممدودة بالسلاح للمجموعات نفسها.
و یبقی الحل الاوحد، في هذه الایام التي لا تبشر بالخیر، خطوتین لا بد للمجتمع الدولي الاستفادة منهما في اسرع وقت ممکن قبل فوات الاوان:
الخطوة الاولی طبیة المنشا، فالقاعدة الطبیة تقول ان العضو المصاب بالسرطان لا بد له من المعالجة قبل ان یستشري السرطان في الجسم کافة، فالسرطان الارهابي الذي یتفشی الیوم في الجنب الشرق اوسطي من البدن، لا بد ان یدفن فیه لمنعه من التمدد الی الاعضاء الاخری.
الخطوة الثانیة، توقیف الدعم الممنهج بالسلاح و الذخیرة و العناصر من قبل الدول الاوروبیة و العربیة. و اعتماد جدیة الحرکة ضد الارهاب من قبل الدول الغربیة الکبری التي تزعم انها تحارب الارهاب، و تغیر علیه بانواع الطائرات، لکنها بالمقابل ترمي له السلاح " عن طریق الخطا" حسب زعمها.
لعبة الارهاب الیوم اذا لعبة دومینو، رسمت لوحتها بایدي اوروبیة، و کقاعدة الدومینو العامة دفع حجرها الاول من سوریا. و لکن ما لم یقرر سابقا، ان تکون للوحة السوداء احجار مشیدة في الداخل الاوروبي مما جعل السحر ینقلب علی الساحر، و اللعبة التي بدات في سوریا لم تعد تسیر وفق الخطة المشیدة لها. فهل بدات اقسام الدومينو الاوربیة بسقوط اول حجر لها في باریس؟!!