الوقت- في ظل غياب سوريا والعراق بسبب الحرب، وانشغال مصر في ترتيب البيت الداخلي، استفردت السعودية بالساحة السياسية في العالم العربي لترسيخ فكرة تمتعها بالدور الريادي في المنطقة، وما المصالحة القطرية المصرية عن هذا ببعيد.
بعد فصل طويل من المواجهات السياسية بين قطر ومصر، عادت العلاقات بين البلدين الى سابق عهدها اثر مصالحة بين القاهرة والدوحة بوساطة سعودية ومباركة دول الخليج الفارسي .
صحيح أن باب المصالحة قد فتح، لكنها لم تكتمل، وقد يكون مرض الملك عبدلله أجل لقاء المصالحة بين الرئيس المصري والأمير القطري، لكن الأمر المؤكد أن هذه المصالحة تحمل في طياتها أهداف وتداعيات عدة على الساحتين العربية و الاقليمية.
القضاء على الاخوان
لا يمكن فصل المصالحة عن الزيارات التي يقوم بها الرئيس المصري الى دول الخليج الفارسي ، لذلك ان أحد أهم أهداف هذه المصالحة"السعودية" يتمثل باستكمال ما بدأته القاهرة من محاولات حثيثة لتطويق الإخوان المسلمين وحصارهم إقليميًا ودوليًا إلى أبعد مدى، فبعد أن كان تنظيم الاخوان شرعياً ونجح في استقطاب الشعب المصري في الانتخابات السابقة، بات اليوم بعد استلام السيسي تنظيماً ارهابياً في كل من مصر والسعودية والامارات.
السلطات القطرية لم تنتظر طويلاً لابداء حسن نيتها في هذا الأمر نظراً لأهميته لدى مصر، ومن خلفها السعودية، فقد قامت مؤخراً بإبعاد عدد من قيادات الإخوان، منهم الأمين العام للجماعة، محمود حسين، ووزير التخطيط السابق، عمرو دراج، إضافة إلى "الداعية"وجدي غنيم.
اذاً، نرى أن هذه المصالحة تأتي في خضام الحملة التي تقودها الرياض ضد الاخوان المسلمين، ويعتبر القضاء على هذا التنظيم أحد أبرز أهدافها.
محاصرة حماس:
هدف أخر لهذه المصالحة هو محاصرة حماس المقربة من الاخوان. الكيان الصهيوني نظر الى المصالحة بعين الطمأنينة، وقد زعمت العديد من الصحف الإسرائيلية أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باتت في ورطة بعد تصالح الأمير القطري تميم بن حمد مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وبحسب موقع ( WALLA ) الإخباري الإسرائيليّ فإنّ تل أبيب ترى في هذه الخطوة خطوةً إيجابيّة، لأنّها ستُشكّل رافعة للضغط على حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس)، بدعمٍ قطريٍّ، على حدّ تعبير المصادر”.
صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلة أيضاً، اعتبرت إنه من المتوقع أن تمس المصالحة بين مصر وقطر بعلاقة الأخيرة بحركة "حماس" الفلسطينية، إلا أن الذي سيقع في مأزق كبير هو حركة "حماس"، خاصة أن قطر ستكون مطالبة بالتنسيق مع مصر في أي مشروع أو مساعدة ترغب في إجرائه بقطاع غزة، وبهذه الطريقة ستعزز من تحكم القاهرة في إيقاع عملية الإعمار هناك.
نتائج المصالحة أتت مبكرة في هذا السياق، فقد تضاربت التقارير خلال الساعات الماضية، حول صدور قرار من السلطات القطرية بـ"إبعاد" زعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خالد مشعل، من الدوحة.
وسائل الاعلام التركية أيضاً، تناقلت أمس الثلاثاء نبأ احتمال استقرار رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل في تركيا بعد المصالحة القطرية الخليجية والقطرية المصرية .
وذكرت صحيفة "أيدنلك" التركية المعارضة أن زيارة مشعل الأخيرة إلى تركيا ولقائه المطول مع رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو الذي استغرق أكثر من 4 ساعات قد تكون قادت إلى هذا التفاهم باتجاه قبول مشعل الذي سيغادر الدوحة، ويذكر أن تونس كانت بين الأماكن المطروحة لكن التطورات السياسية الأخيرة هناك حولت الأنظار نحو أنقرة.
ولفتت التقارير إلى أن قرار الدوحة بإبعاد مشعل وقيادات الإخوان، يأتي استجابة للمبادرة السعودية للمصالحة بين مصر وقطر، بعد تعرض الأخيرة لضغوط سياسية ودبلوماسية، بلغت حد التهديد بطردها أو تعليق عضويتها بمجلس تعاون دول الخليج الفارسي.
وكانت تقارير إعلامية فلسطينية قد أعلنت أن مشعل بدأ فعلياً العمل على نقل مقر إقامته إلى العاصمة أنقرة، بعدما بحث الأمر مع رئيس الحكومة التركية، أحمد داوود أوغلو.
عزل تركيا أم استدارجها؟
شهدت العلاقات المصرية التركية منذ استلام السيسي توتراً حاداً تجاوز التصريحات الدبلوماسية، وذلك لدعم الرئيس التركي أردوغان للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، واعتبار عزله إنقلاباً عسكرياً ، وبما أن قطر هي الشريك الوحيد المتبقي لتركيا في ظل سياسة الرئيس أردوغان، ستزيد المصالحة بين مصر وقطرمن عزلة أنقرة في الشرق الأوسط، لأن تركيا باتت الدولة الوحيدة المعادية لمصر، ورئيسها عبدالفتاح السيسي، بالتالي أي حديث عن انقلاب، سيكون غير مُجدٍ، لأن الكثير من دول العالم لم تتأخر في توثيق وتمتين علاقاتها مع مصر.
لا يخفى على أحد أن القيادة التركية تواجه العديد من المشاكل، بدءاً من سوء علاقاتها مع دول الجوار، مروراً بالمشاكل مع الأكراد واتهامات المعارضة لحكومة العدالة والتنمية بالفساد وقمع الحريات وتكبيل الصحافة، وصولاً إلى الخلاف الأمريكي ـ التركي على خلفية الموقف السلبي الذي أبدته أنقرة من الحلف الدولي ضد داعش، لذلك قد تنعكس المصالحة المصرية ـ القطرية ايجابياً في إعادة ترطيب الأجواء بين كل من مصر وتركيا.
نائب رئيس الوزراء التركي، بولند أرينج، دعا في حوار تليفزيوني إلى ضرورة إزالة التوتر بين بلاده ومصر، معتبراً أن المصالحة بين مصر وقطر تمثل خسارة كبيرة لتركيا، كون الرئيس أردوغان سيفقد الورقة الرابحة التي كان يوجه بها ضربات إلى مصر، وأن خسارته للورقة الرابحة ستحقق مزيداً من العزلة للجانب التركي في العالم العربي.
يعتبر العامل الاقتصادي محوراً أساسياً في سياسة تركيا الخارجية، وقد تسبب جمود العلاقات التركية المصرية في خسائر خطيرة أبرزها ذلك التعاون بين مصر وغريمتي تركيا قبرص واليونان حول النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، بشأن إنشاء طرق عبور جديدة وخطوط أنابيب، لذلك قد تكون احتمالات المصالحة بين مصر وتركيا باتت أقوى ، خاصةً أن الأخيرة ستُشعِر بأن الممول والداعم للإخوان المسلمين المقيمين على أراضيها تخلى عنهم، لكن الواقع يشير الى أن تركيا ستصبح قبلة الاخوان.
اذاً، المصالحة الجديدة التي جائت بعد أسبوعين فقط من تسوية الخلاف القطري مع دول الخليج الفارسي، حملت في طياتها أهدافاً استراتيجية عدّة، قد تنجح السعودية في انهاء ظاهرة الاخوان المسلمين، في المقابل قد تكون تركيا الواجهة القادمة للاخوان، لكن الأيام القادمة سترسم صورة واضحة حول المساعي السعودية في توحيد القوى الاقليمية وتركيزها في الملف السوري، ومصر التي تتلقى مساعدات من دول الخليج الفارسي بمليارات الدولارات احدى هذه الدول اذا ماغاب الاخوان عن المشهد، وان غداً لناظره لقريب.