الوقت - رغم عددهم القليل نسبياً والذي يقدر بنحو مليوني نسمة تمكن أكراد سوريا خلال السنوات الأخيرة من إبراز مشاعرهم نحو إقامة حكم ذاتي في مناطقهم في خضم التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها المنطقة بوجه عام وسوريا بشكل خاص.
فهذه الأقلية العِرقية التي كانت مغمورة طيلة عقود من الزمن تسعى الآن لترجمة طموحاتها القومية على أرض الواقع، مستفيدة من الفرصة التي أتاحتها التطورات السياسية والأمنية في سوريا وعموم المنطقة.
وساهم إقليم كردستان العراق في تعزيز مشاعر أكراد سوريا بالتوجه نحو إقامة نظام حكم ذاتي والذي تبلور بشكل أوضح بعد الإنتصارات المهمّة التي حققها الأكراد على الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" وإستعدادهم لتحمل المسؤولية في إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتهم والذي رفع من مستوى التعاطف الدولي معهم.
وعلى الرغم من الحرمان الذي عانى منه أكراد سوريا طيلة العقود الماضية لم يدفعهم ذلك إلى التعاطي مع أزمة بلادهم من منطلق ثأري، أو محاولة إستغلال تداعيات هذه الأزمة لتحقيق غايات غير مشروعة، بل على العكس من ذلك وقف الأكراد في كثير من الأحيان إلى جانب حكومة الرئيس "بشار الأسد" في محاربة الجماعات الإرهابية رغم المساعي التي بذلتها بعض الأطراف الإقليمية والدولية لإقناعهم بالإنضمام إلى صفوف المعارضة السورية.
في مقابل ذلك سعت حكومة "الأسد" إلى تقوية موقف الأكراد الميداني وتعزيز دورهم السياسي من خلال إسناد مسؤولية إدارة الكثير من مناطقهم بينها القامشلي والحسكة إلى الأحزاب التي تمثلهم لاسيّما حزب الإتحاد الديمقراطي المعروف اختصاراً بـ (PYD). ولهذا السبب أُتهم هذا الحزب من قبل أكراد تركيا بالتواطؤ مع حكومة "الأسد" وعدم التعاون معهم لتشكيل ما يسمى بـ "كردستان الكبرى".
ويحظى موضوع الحكم الذاتي بأهمية بالغة لدى أكراد سوريا إلى الحد الذي جعلهم يتصرفون مع المتغيرات الميدانية والسياسية وفقاً لهذا المبدأ وبما يتناسب مع ظروف الصراع على جانبي الجبهة السورية.
ومن أجل تحقيق التوازن والحصول على مكاسب مرحلية فضّل أكراد سوريا عدم التورط بأزمات خارجية خصوصاً مع الجانب التركي الذي يرفض أيّ مسعى كردي لإقامة حكم ذاتي على أراضيه، كما فضّلوا عدم التورط بأزمة داخلية مع حكومة الرئيس "بشار الأسد" والتي كان من الممكن أن تحصل في حال أصرّوا على إقامة حكم ذاتي في مناطقهم على غرار إقليم كردستان العراق الذي بات يشكل المحرك والمحفز لتحقيق طموحات الأكراد في عموم المنطقة.
وثمة سبب آخر يمنع أكراد سوريا من المطالبة بالإنفصال أو تشكيل حكم ذاتي في مناطقهم في الوقت الحاضر يرتبط بخلافات الفصائل الكردية السورية نفسها لاسيّما بين حزب الإتحاد الديمقراطي السوري والجمعية الوطنية الكردستانية بشأن هذا الموضوع ومواضيع أخرى والتي قد تضع التماسك و وحدة الموقف الكردي في مهبّ الريح في حال لم يتم حسم هذه الخلافات في وقت قريب.
ومن خلال قراءة معطيات الواقع ونظراً للظروف الإقليمية المعقدة يبدو أن أكراد سوريا لا يملكون القدرة على مواجهة التحديات الخارجية التي تسعى للتضييق على تحركاتهم في الوقت الراهن على الاقل، لكن هذا لا يعني أنه ليس بإمكانهم التغلب على خلافاتهم الداخلية وتقليص الفجوة فيما بينهم إلى أقصى حد ممكن من أجل تحقيق مكاسب مشتركة على المديين القريب والبعيد.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن الظروف التي تحكم أكراد سوريا في المرحلة الراهنة تشبه إلى حد ما ظروف إقليم كردستان العراق، وبإمكانهم تحقيق مكاسب سياسية على غرار المكاسب التي حققها أكراد العراق شريطة ان يتمكنوا من حسم أمرهم بالوقوف إلى جانب حكومة الرئيس "بشار الأسد" والإبتعاد عن الجماعات المعارضة لضمان مستقبلهم وحفظ مناطقهم. ولابد لهم من أجل تحقيق هذا الهدف من وقف التعاون العسكري مع الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا التي سعت لتغيير حكومة "الأسد".
أخيراً لابد من التأكيد على ان أكراد سوريا وفي ظل الظروف التي تشهدها البلاد وعموم المنطقة وتشابك المصالح الإقليمية والدولية بحاجة لكسب أصدقاء يمكن الوثوق بهم والإعتماد عليهم في أوقات الأزمات، والإبتعاد عن التفكير بقطف ثمار آنيّة ومرحلية يمكن أن تتلاشى في أول مواجهة حقيقية سواء كانت سياسية أو عسكرية على المستوى الداخلي أو على الصعيد الخارجي.