الوقت- تعد مشكلة الاستيطان في المناطق العربية المحتلة من اخطر العقبات التي تعرقل سير العملية السلمية، ذلك لان تاريخ الاستيطيان في هذه المناطق انما يعبر عن تاريخ الوجود الصهيوني في فلسطين. حيث يُعتبر الاستيطان اداة مزدوجة الهدف لتحقيق المشروع الصهيوني من حيث استيلائه على الاراضي العربية والتخلص من اهلها واصحابها الشرعيين وكذلك تحويل المستوطنات الى ثكنات عسكرية وقلاع محصنة، والمستوطنين الى جيش مسلح للدفاع عنها .لذلك اتفقت جميع الحكومات الاسرائيلية رغم اختلاف توجهاتها السياسية على اعتبار الاستيطان ركيزة الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية لتهويد الاراضي المحتلة، وفرض الامر الواقع على الدول العربية والفلسطينيين يصعب تغييره وخطوة نحو تحقيق الغاية القومية العليا المتمثلة في اقامة اسرائيل الكبرى من البحر الى النهر .
اسرائیل واستراتیجية الإستيطان
سعى الكيان الاسرائیلي منذ نشاته تطبيق الاستراتيجية الصهيونية للسيطرة على الارضي واستملاكها لاقامة المستوطنات الاسرائيلية،وکانت سياسته تجاه المستوطنات واحدة، فلم يسبق ان اجمعت الحكومات الاسرائيلية المتتالية على موقف موحد، مثلما اجمعت على موقفها في قضية المستوطنات ودعمها بكافة السبل الممكنة دون ايلاء محادثات السلام الجارية او القوانين الدولية ادنى اهتمام .
منذ توقيع اتفاقية "اوسلو" قامت اسرائيل ببناء ۴۴ بؤرة استيطانية وبعد توقيع اتفاقية "واي ريفر" بنيت ۲۷ بؤرة استيطانية ۱۱ منها تأسست في شهر مارس ۱۹۹۹. وبلغ مجموع الاراضي الفلسطينية التي صودرت منذ التوقيع حوالي ۲۷۳۸۳ دونما. ويبرر المسؤولون الاسرائيليون ذلك بأنه لا علاقة بين عملية السلام والاستمرار في بناء المستوطنات. حيث لم تنص اتفاقية "اوسلو" وبكل اسف وما تلاها على اي قرارات تحظر على اليهود بناء مستوطنات جديدة. او توسيع القائم منها .لکن ماهي الاسباب الجوهریة والاستراتیجیة التي تدفع باسرائیل الى التمسک بالاستيطان حتی لو تعارض قرارها مع القانون الدولي او الدول الراعیة لها:
1- الأهداف الاجتماعية: عاش اليهود في قارات العالم موزعين ومشتتين ولم يكن لهم وطن واحد يجمعهم، ولكل منهم لغته الخاصة ، لذلك تم التركيز على دمج العناصر اليهودية المهاجرة في مجتمع واحد لتقوية الروابط الاجتماعية بينهم والتي تخدم المصلحة الاسرائيلية، كذلك تشجيع يهود العالم على الهجرة الى فلسطين من خلال تأمينهم بالارض والمسكن. لذا تم بناء المستعمرات اليهودية لتكون النواة لقيام دولة اسرائيل .
2- الأهداف الامنية : كانت اكبر المشاكل التي عانت وتعاني منها اسرائيل لغاية الان المشاكل الامنية، حيث ان الفلسطينيين بدأوا ومنذ دخول اليهود الى فلسطين بمهاجمة اليهود وقتل العديد منهم، لذلك انبعثت سياسة بناء المستعمرات للحفاظ على الامن الفردي وبالتالي امن الدول التي تعتبر المستوطنات الخط الدفاعي الاول عن الدولة ومحطة متقدمة للجیش من اجل مهاجمة دول الجوار عند الضرورة
3-الأهداف السياسية: يعتبر الاستيطان الاسرائيلي والتوسع المستمر فيه وسيلة ضغط يمارسها اليهود على الفلسطينيين والعرب عموما لتحقيق مكاسب سياسية وفرض واقع الوجود اليهودي في المنطقة، وجعل هذه المستعمرات مدار البحث على طاولة المفاوضات لرسم ملامح الحل النهائي، كذلك لاشغال الرأي العالمي عن ممارسة العدوان اليهودي من خلال توجيه الانظار الى قضايا المستعمرات والاستيطان .
4- عزل الفلسطينيين: ركز اليهود، ومن خلال اقامة المستوطنات واختيار مواقعها بدقة على عزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض من ناحية، وابعادهم وعزلهم عن السكان اليهود من ناحية اخرى وذلک من اجل قطع الواصل الجغرافي مع المحیط العربي وعزل المناطق الفلسطینیة وجعلها متباعدة جغرافیا"
الإستيطان والقانون الدولي
عدّ إقامة المستوطنات، مناقضة لكل المبادئ الدولية، وميثاق الأمم المتحدة ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب في عام 1949 . ويفصِّل الميثاق سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، وجوهر الميثاق في هذه الحالة يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة، وهو ما أعادت التأكيد عليه العديد من قرارات الشرعية الدولية، سواء قرارات مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العمومية، وبالتالي؛ فإن خلق الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يكسب حقاً . وقد صدرت مجموعة من القرارات الدولية التي تؤكد ذلك، وتنكر أي صفة قانونية للاستيطان، أو الضم، وتطالب بإلغائه، وتفكيك المستوطنات، بما في ذلك الاستيطان بالقدس .
وفيما يلي أهم المعاهدات الدولية، التي تحظر الاستيطان، وتمنع المساس بالحقوق والأملاك المدنية والعامة في البلاد المحتلة، وقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة : اتفاقية لاهاي/ 1907م, معاهدة جنيف الرابعة/ 1949م , اما فی ما یتعلق بقرارات الامم المتحده رقم 446 لسنة 1979 , القرار رقم 452 لسنة 1979 , القرار رقم 465 لسنة 1980 , القرار رقم 478 لسنة 1980 واضافة الی ذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة .كلها تنص على عدم شرعية الاستيطان وعدم الاعتراف به.
الفلسطيني والاستيطان الجديد
لم يستطع الفلسطيني حل هذه المسالة منذ نشأتها حتى الان. بسبب ضعف الموقف وغياب الحلول وعدم استغلال العناصر الضاغطة على اسرائيل, ناهيك عن التفتت والتشرذم داخل الصف الفلسطيني وانصياع البعض منهم الى الإملاءات الأمريكية والوعود بالحلول الوهمية.
لذلك فان المفاوض الفلسطيني يخوض «معركته» ضد الاستيطان تحت سقف خيار المفاوضات متمنيا في قرارة نفسه لو يستأنف هذا الخيار. فالمطلوب نقلة كبرى بحيث يكون هدف المعركة الاستقلال المعترف به دوليا وليس التباكي على مفاوضات ثبت أنها عقيمة ولا جدوى منها .فلقد دعا الرئيس عباس إلى اجتماع لما يسمى بالقيادة الفلسطينية «اللجنة التنفيذية + اللجنة المركزية لحركة فتح وربما آخرون» لبحث «الانذار » الأميركي الذي وجهه له كل من الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته السابقة كلينتون، بضرورة سحب الشكوى ضد الاستيطان من أمام مجلس الأمن، وإلا لجأت الولايات المتحدة إلى استعمال حق النقض الفيتو .لکن حسنا فعلت «القيادة الفلسطينية» حين رفضت بالأغلبية الساحقة ماعدا عدد قليل جدا من أعضاء مركزية فتح الإنذار الأميركي وقررت المضي في الشكوى، حتى ولو أدى ذلك إلى استعمال واشنطن لحق النقض، وحتى ولو لجأت واشنطن إلى ما وصفه أوباما، بالعقوبات بحق السلطة الفلسطينية .
فكثيرا" ما هدد عباس بعدم استئناف المفاوضات اذا لم يتم ايقاف الاستيطان وكلها فقاقيع اعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع .ان الفيتوات الامريكية ضدد فلسطين خاصة الاخيرة منها تثبت ان الحل هو بالعودة الى المقاومة وان الفلسطينيين هم انفسهم القادرون على ايقاف التمدد الاستطاني لا بل قادرون على انهاء هذا الكيان عندما يقف كل الفلسطينيين صف واحدا" ولا تحركهم مصالحهم الشخصية.