الوقت- لم یوضّح الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي أسباب عدم ثقته تجاه أمريكا ودوافعه الأساسیة لتجنب التوقيع علی اتفاقية كابل-واشنطن الأمنية، ولكن حسب رأي الخبراء الأفغان ما جعل كرزاي متشاؤماً وفاقداً للثقة تجاه أمريكا قد اتضح الآن .
كان من المقرر أن یزور كرزاي واشنطن في كانون الثاني عام 2013، ولكن قبل هذه الزیارة قال وزير خارجية أميركا الحالي "جون كيري" الذي کان یشغل آنذاك منصب رئيس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ، لكرزاي بحضور عدد من المسؤولين الأفغان في كابول : إن الملا عمر موجود في مدینة كراتشي الباكستانیة وتحت الحماية العسكرية لهذا البلد.
فقال كرزاي: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تقدم أمريكا علی إلقاء القبض عليه؟ لقد حددت أمريكا الملايين من الدولارات جائزة لمن یقبض علیه ، وفي كل يوم یقتل الناس الأبرياء بسببه ، وهناك حرب تدور رحاها في أفغانستان تحت عنوان محاربة طالبان ، والملاعمر موجود تحت حمایة العسکریین الباکستانیین ؟
لم یکن لدی جون كيري إجابة مقنعة لكرزاي ولکنه قال: رئيس القوات البرية للجيش الباكستاني یقول إن الملاعمر موجود تحت مراقبتهم.
وعندما سافر حامد كرزاي إلى أمريكا في كانون الثاني 2013، قال له مستشار الأمن القومي الأمريكي "توماس دونيلون" بحضور رئيس وكالة المخابرات المركزية وغيره من كبار المسؤولين الأمیرکیین: منذ بداية عام 2015 فصاعداً، لن تکون حرکة طالبان أعداء لأمريكا ولن تحاربهم أمیرکا إلا إذا شکلوا "تهديداً مباشراً لأمن أمريكا". وأضاف دونيلون أيضاً: سوف تواصل أمريكا حربها ضد الإرهاب في أفغانستان. وكانت هذه التصريحات مدهشة لكرزاي.
سأل كرزاي مستشار الأمن القومي الأمريكي: بعد عام 2014 ما هو الإرهاب ومن هو الإرهابي إذن؟ فأجاب مستشار الأمن القومي الأميركي: أي شخص في أفغانستان یهاجم سفارتنا ومواطنينا ومصالحنا أو یهددها.
فسأل كرزاي: إذا ارتدی الآلاف من الإرهابيين الزيّ الطالباني ودخلوا من باكستان إلى أفغانستان واستولوا على جزء من أراضي أفغانستان ورفعوا أعلامهم فیها ، فکیف حینئذ؟ أجاب مستشار الأمن القومي الأمیرکي: هذا الموضوع یرتبط بکم وبباكستان، وليس بأمريكا.
فسأل كرزاي مرة أخرى: إذا قتل في بلادنا 70 أو 80 شخصاً في هجوم انتحاري، فهل سيكون هذا عملاً إرهابیاً برأيكم؟ أجاب مستشار الأمن القومي الأميركي: کلا.
بعد هذه الاجتماعات، سأل كرزاي وفده المرافق له مراراً: لماذا تتحدث أمريكا معنا بالنيابة عن طالبان؟
وهكذا یتضح لنا ما کان یجري وراء کوالیس العلاقات بين أميركا وأفغانستان في زمن رئاسة كرزاي، ولماذا اتخذ الأخیر مواقف قاسية ومنتقدة ضد أمريكا في الأشهر الأخيرة من رئاسته.
هذا في حين أن المجتمعات الأهلية الأفغانية وبالاعتماد على ما تنقله وسائل الإعلام عن العلاقات بين كابل-واشنطن آنذاك وعدم معرفة تعقيدات وکوالیس هذه العلاقات ، کانت تصدر الأحکام المنتقدة لمواقف كرزاي تجاه أمريكا.
لکن كرزاي صمت أمام هذه الانتقادات صابراً، وکأنه کان یعلم أن مرور الزمن سیوضح صوابیة مواقفه تجاه أمريكا، وسيکون حكم التاريخ مثنیاً علیه.
الآن أعلنت أمريكا سياستها ولم تعد تعتبر طالبان عدواً ، وأسباب معارضة كرزاي لأمیرکا تتكشف؛ ویمکن أن تکون لها آثار مفیدة ومنذرة بالنسبة للحكومة الحالية في أفغانستان.
وعلى أساس إعلان وزارة الدفاع الأمريكية، فإن طالبان "عدو مؤقت" لأمیرکا ، بینما لم یشهد العالم تغییراً في ماهیة هذه الحرکة ومواقفها ، وحتی أن قدرة طالبان التهديدیة قد تضاعفت مما کانت علیه قبل 13 عاماً.
وبعناية وتفكير أكثر يمكن أن نعرف أن حقیقة تصریحات وزارة الدفاع الأمريكية هي أن التقلیل من مستوی العداء لطالبان یعني تخفیض الدعم للحكومة الأفغانیة .
وعندما تقول وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون إن طالبان ستکون عدواً لأمیرکا إذا شکلت تهديداً لأمنها فحسب، فهذا یعني بشکل واضح لا لبس فیه أن الحكومة الأفغانیة أیضاً هي "صدیقة مؤقتة" لأمريكا ، وعندما لا تتصرف وفق الرؤیة الأمريكية الاستغلالية فستفقد إمکانیة أن تبقی صدیقة للولايات المتحدة الأمريكية ، وستتحول معاهدة علاقات كابل-واشنطن الاستراتيجية والاتفاقية الأمنية بين أمريكا وأفغانستان إلی وریقات فاقدة للمصداقیة .