الوقت - يبدو أن مسلسل الفضائح في لبنان مستمر، فاذا كان البعض يعتقد أنه بالانجاز الذي تحقق بحل أزمة النفايات يعني إنتهاء الفساد والوصول إلى مرحلة من الاستقرار للحكومة السلامية التي لم تعرف الاستقرار والانسجام منذ تشكيلها فهو مخطئ. إذ أن حبل الفضائح على الجرار، فمن فضيحة القمح غير المطابق للمواصفات والذي ولد أزمة بين وزارات الدولة المعنية، إلى فضيحة شبكة الانترنت غير الشرعية والرديفة لشبكة الدولة وصولا إلى آخر صيحات الفساد في الادارات اللبنانية وهذه المرة في أهم مؤسسة أمنية هي جهاز الأمن الداخلي اللبناني.
فقد أكدت مصادر أمنية وسياسية لبنانية ما تناقلته وسائل إعلام وصحف محلية عن فضيحة فساد وسرقة بملايين الدولارات تمت خلال السنوات الماضية في جهاز قوى الأمن الداخلي. وتؤكد المصادر أن التحقيقات جارية للكشف عن كل المتورطين في هذه العملية. وقد جرى التحقيق مع ما يزيد عن 400 عنصر ورتيب وضابط خلال الفترة الماضية. كما أحيل ما يزيد عن 20 ضابطا على المجلس التأديبي لاتخاذ الاجراءات اللازمة بحقهم. وأما حول قضية الفساد فهي حول سرقة أموال المساعدات المرضية المخصصة للمتقاعدين وتقدر بعشرات المليارات.
وحول تفاصيل القضية فإن ضباطاً وعناصر من المديرية العامة قاموا بالتحايل على القانون اللبناني وحولوا أموال المساعدات الطبية إلى حسابات خاصة بأحد كبار الضباط الذي كان يرأسه أشرف ريفي في حينها، وبدل أن تحول الأموال لمستحقيها كان يتم تقسيمها بين مجموعة من المتواطئين من الضباط وعناصر المديرية. كما أن هناك حالات تزوير لفواتير استشفاء إضافة إلى تقديم فواتير مرارا لقبضها. وفي سياق التحقيقات الجارية امتنع بعض كبار الضباط المتقاعدين عن المثول أمام محققي قوى الأمن الداخلي على اعتبار أنهم تقاعدوا من الجهاز ومن الضروري استدعاؤهم عبر القضاء المدني المختص، وتشير مصادر أن امتناعهم عن المثول إنما لعلمهم أن القضاء لا يمكن له استدعاؤهم إلا في حال استدعاء رئيسهم في ذلك الوقت وهو اللواء أشرف ريفي والذي يفترض أنه محمي من تياره السياسي.
وهنا يتسائل البعض عن توقيت إثارة هذا الموضوع وبهذا التوقيت بالذات، خاصة أن أصابع الاتهام تتجه نحو أشرف ريفي (وزير العدل المستقيل) الذي كان في حينها على رأس جهاز الأمن الداخلي وشكل الغطاء لهؤلاء الضباط والعناصر الفاسدين في حينها. وتؤكد مصادر كثيرة أن هذه القضية وقضايا فساد أخرى إنما كانت معروفة منذ وقت طويل للمعنيين فلماذا اتخذ القرار حاليا بفتح الملف؟
وبالعودة إلى التحقيقات الجارية تشير مصادر أمنية مواكبة للتحقيقات التي وصفت بأنها الأكبر في داخل أروقة جهاز الأمن الداخلي أن شعبة المعلومات وعلى رأسها العميد عماد عثمان (المحسوب على تيار المستقبل) هي مصدر معظم المعلومات التي يجري التحقيق فيها. وهذا مؤشر يزيد الشك في القضية والهدف من إثارتها حاليا.
وبالعودة إلى اللواء أشرفي ريفي الذي قدم استقالته من وزارة العدل دون استشارة سعد الحريري فتؤكد مصادر مقربة من الحريري عن مدى التباعد الذي حصل بينه وبين الأخير. كما أنه أي ريفي يسعى لتشكيل حالة سنية خاصة به في طرابلس وشمالا بشكل عام بمعزل عن الحريري وتيار المستقبل مستفيدا من الظرف الإقليمي وخاصة السعودي الذي لا يبدو أنه يدعم الحريري كما في السابق. وهذا الأمر يثير حفيظة الحريري الذي يبدو أنه اتخذ القرار بكبح جماح ريفي عبر فتح هكذا ملفات في وجهه، كما أنه أي الحريري يريد تحذير كل من تسول له نفسه الخروج عن طاعته. ويستفيد من خصم أشرف ريفي اللدود أي وزير الداخلية "نهاد المشنوق" إضافة إلى رئيس شعبة المعلومات العميد "عماد عثمان" لهذا الغرض.
إذاً يمكن القول إن الموضوع هو عبارة عن صراع داخل البيت السياسي الواحد، إذ أن القاضي والجلاد والضحية من نفس التيار. وأما عن حقيقة الفساد في بلد مثل لبنان فهو أمر واقع اعتاد عليه اللبنانيون ولن يكون من الصعب على من فتح الملف إغلاقه مجددا ولأبسط الأسباب. وعلى خط ما يجري داخل أروقة مؤسسة الأمن الداخلي دعا بعض السياسيين والأمنيين إلى عدم تسييس الموضوع وأكدوا على ضرورة المحافظة على الجهاز ومكافحة كافة أنواع الفساد والسرقة دون المساس بمعنويات قوى الأمن التي حققت وتحقق انجازات كبيرة في الحفاظ على أمن لبنان.