الوقت- لاتزال قضية الانترنت غير الشرعي تجذب أنظار اللبنانيين وتمضي بالتفاعل على أكثر من صعيد وسط الكثير من الغموض الذي بدأ بالإنقشاع إثر الجلسة الأخيرة للجنة الإتصالات والإعلام النيابية والكشف عن مسلحينَ احتجزوا عناصرَ القُوى الأمنية وموظفي أوجيرو لدى محاولةِ تفكيكِ إحدى الشبكاتِ غيرِ الشرعية.
رئيس لجنة الإتصالات والإعلام النيابية، النائب حسن فضل الله، أكّد أن قضية الانترنت غير الشرعي هي "قضية وطنية"، داعيا لإخراجها من الحسابات السياسية، ومشيرًا إلى أن القضية لا تزال عند القضاء والتحقيق لا يزال أولي بشأنها.
ودعا فضل الله خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الاتصالات بطرس حرب عقب اجتماع اللجنة في مجلس النواب، رئيس الحكومة تمام سلام إلى وضع هذه القضية على جدول اهتمامات الحكومة، وقال:"سندعو الى جلسة نستمع خلالها الى وزارة المال حول الهدر المالي بسبب الشبكة غير الشرعية".
وقال فضل الله إن "شبكة ألياف ضوئية متطورة ونادرة جرى تمديدها في مناطق عديدة، وقد جرى تعليق هذه الألياف على أعمدة الانارة التابعة للدولة، ليتم من خلالها توزيع الانترنت على المشتركين".
وأضاف فضل الله "نحن معنيون أن نواجه الخطر وأن نضرب بيد من حديد"، مشيرًا إلى أن "القضية تستهدف أمن اللبنانيين، لان الشبكة مخترقة من العدو الاسرائيلي".
ولفت فضل الله الى ان "المؤسسات الرسمية التي اشتركت بشبكة الانترنت غير الشرعي أوقفت اشتراكاتها واخذت الانترنت من الدولة".
من جهته، وفيما أشار وزير الاتصالات بطرس حرب الى أن الوزارة وضعت لجنة الاتصالات في أجواء التدابير التي اتخذتها بعد ضبط شبكة الانترنت غير الشرعية، دعا إلى ضرورة "معالجة قضية الإنترنت بعيداً عن الصراع السياسي، لأن هناك خلطا بين الأمن الوطني والصراع السياسي، ومن هنا نطرح وجود شبكة إنترنت غير مرخصة ومرتبطة بجهات إسرائيلية.
وأضاف: هذا يعني أن كل أمننا كان معرضاً للخرق الإسرائيلي". كما شدد حرب على ضرورة "المساءلة وعدم لفلفة الملف". وقد أحدث كشف هذا الملف من قبل إحدى المحطات التلفزيونية المحلية خلافات بين المحطة ومحطات مُنافسة، من جهة، وبين المحطات والمدير العام، ورئيس مجلس إدراة هيئة الاتصالات اللبنانية "أوجيرو"، عبد المنعم يوسف، من جهة ثانية. فقد اتهم يوسف، بعض وسائل الإعلام بمحاربته سياسياً، في الوقت الذي تم تسريب وثائق من هيئة "أوجيرو" تُثبت تخلف بعض وسائل الإعلام (التي يتهمها يوسف بالتهجم عليه) عن سداد بدلات استخدامها محطات البث التابعة للهيئة
من جانبه، اكد النائب العام التمييزي سمير حمود ان القضاء سيجري تحقيقا شفافا في قضية شبكة الانترنت غير الشرعية موضوع شكوى وزير الاتصالات بطرس حرب. واضاف ان قسم المباحث الجنائية المركزية باشر تحقيقا واستمع الى افادتي صاحبي موزعي انترنت ".
واشار حمود الى ان كشفا فنيا سيجري على المواقع التي تناولها الوزير حرب في شكواه لتحديد كيفية عملها ومنشأ الشبكة المشغلة تمهيدا لتحديد المسؤوليات".
دور السفارة الأمريكية
علنية الموضوع، ومكان إعلانه وهوية من أعلنه وسرعة إعلانه كانت أربعة عوامل جعلت أصحاب الشبكة يشعرون للمرة الأولى بأن الأمور تفلت من بين أيديهم. عندها "بدأت التدخلات في القضية من أعلى المستويات، بحسب مرجع مطلع، والأخطر، يضيف، هو "ما تردد عن تدخل السفارة الأميركية في بيروت مطالبة بالإفراج عن المعدات الخاصة بأحد المتورطين في تلك الشبكة، والتي تبين عند مصادرتها والكشف عليها من قبل "أوجيرو" أنها نفسها التي كانت قد ضبطت في "شبكة الباروك" عام 2009، وهي تحتوي على مكونات إلكترونية من صنع شركة "سيراغون" الإسرائيلية. علماً أن هذه المكونات كانت أحد أدلة المحكمة العسكرية عندما أدانت المتطورين بالشبكة في العام 2011 (جناية إنشاء محطة في الباروك وتجهيزها بمعدات إسرائيلية والتزود بمعدات لخدمة الانترنت عبر الباروك من شركة في حيفا).
بعبارة آخرى، تم الإفراج عن هذه المعدات، بعدما تقدمت إحدى الشركات بطلب إلى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم تطالب فيه باستعادة معداتها، لأنها تنوي القيام بتسوية مع وزارة الاتصالات، حيث اشترط ابراهيم في قراره عدم تركيب أي من المعدات، في انتظار جلاء التحقيق.
وبالنتيجة، وبين الرغبة في التخلص من عبء تخزين المعدات الضخمة، حيث اضطر المعنيون إلى توزيعها بين مخازن النيابة العامة المالية ومخازن "أوجيرو" أو أحد المخازن الخاصة، و "الإجراء الروتيني" الذي اتخذه ابراهيم، بناءً على مسار القضية، نامت المعدات في 8 آذار، في مخازن أصحابها!
ويقول القاضي ابراهيم لـ "السفير": إن رئيس "أوجيرو" عبد المنعم يوسف التقاه، موضحاً له عدم إمكان إجراء أي تسوية في الموضوع انطلاقاً من أن معابر الاتصالات هي حق حصري للدولة، فطلب منه كتاباً رسمياً بذلك، وهو ما حصل في 11 آذار الحالي، حيث ورد في ختام كتاب يوسف أنه "لا يمكن تسوية أوضاع الجهات المرتكبة التي قامت بإنشاء المعابر الدولية، وإن فعلها هذا هو جرم بحق المرفق العام والمال العام والأمن والسيادة". عندها، أمر ابراهيم، في اليوم نفسه، بإعادة ضبط المعدات التي كان قد تم الإفراج عنها.. من دون أن يتبين، حتى اليوم، إن كان قد تم التلاعب بمكونات هذه المعدات، كأن يسحب بعضها أو يُصار إلى محو أرقامها التسلسلية، بسبب عدم قيام "أوجيرو" بإعادة الكشف على المعدات.
لا شك في أن للمسألة شقين الأول إقتصادي يسلب الخزينة اللبنانية والشعب عائدات كبيرة، الآخر أمني يكشف الداخل اللبناني والمؤسسات الرسمية وغيرها للكيان الإسرائيلي. في الخلاصة، أسئلة عدة باتت تطرح حول المسؤول عن إعادة تلك المعدات والهدف من ذلك، ومدى قدرة من يقف خلف هذه الشبكة التي تبدو أنها أقوى من الدولة اللبنانية، بسلطاتها القضائية والأمنية والتنفيذية، فهل ستتكرر تجربة "شبكة الباروك" الإسرائيلية مرّة آخرى؟