الوقت- كثر الحديث خلال الأيام القليلة الماضية حول القرار الروسي اخراج جزء من قواتها من الأراضي السوريّة بالتنسيق مع الدولة السوريّة، وتركّز الحديث حول الأسباب التي تقف خلف هذا القرار، في هذا المقال سنُجمل باختصار بعض النقاط التي من شأنها ان تسلط الضوء على القرار الروسي وربطه بمفاوضات جنيف والتطورات التي شهدتها الساحة السورية خلال الأشهر الأخيرة وتحركات اللاعبين فيها سواء على اراضيها او من خارجها والتصريحات بشأنها.
اولاً: جاء التحرك الروسي في سوريا متوافقاً وتطلعات الشعب السوري وحكومته، فقد تحققت انجازات في الشمال السوري والتي كان من شأنها دعم الجيش من جهة والضغط على الأطراف الغربيّة وبعض العربية منها للذهاب إلى الحل السياسي بعد أن كان لسان حال الغرب هو عزل الأسد او الاستمرار في الابقاء على الحال السوري الى امد غير محدد وهو ما كانت تعمل عليه السياسة الأمريكيّة بالتحديد. واليوم وبعد ان اصبح التوجه نحو الحل السياسي وجديّة جنيف 3 او بالحد الأدنى طرح المسألة للنقاش وفق رؤية توازن القوى على الساحة السوريّة، خرج جزء من هذه القوات كرسالة بأن التحرك الروسي بجزء منه جاء لتفعيل العمليّة السياسيّة، ولأن هذه العمليّة بدأت تأخذ منحى الجديّة بالقياس إلی ما سبقها من مؤتمرات فإن الجزء من القوات الروسيّة قد خرج.
ثانياً: هناك وجود لتفاهمات كبرى بين امريكا وروسيا منذ فترة بما فيها الملف السوري، بالإضافة الى الملف الأوكراني وشبه توافقات او الحاجة الى توافقات في آسيا الوسطى وبالخصوص المحيط الأفغاني، كما وأن روسيا منذ البداية لم تظهر رغبة لها بالغوص كثيراً في الملف السوري إلا ضمن اطار محدود. فروسيا حققت بنك اهدافها والتي اعلنت مدتها منذ البداية بأربعة أشهر وليس كما يشاع اعلامياً بأنه 3 سنوات، فقد تعزز نفوذ الدولة السورية بعدة مناطق مهمة واستراتيجيّة والتي كان من شأنها اضعاف الجماعات التكفيرية من جهة وتطويق المشروع التركي الأردوغاني في الشمال السوري وبالخصوص المتعلق بالقسم الكردي من سوريا، وهذا هو ما شكّل جزءاً من ارضيّة التفاوض السياسي وفق الآلية التي لن تضر بالمصالح الروسية.
ثالثاً: هذه الفترة من التحرك الروسي ومع كثافة الغارات على جماعات الفكر الإرهابي والمترافقة مع تهديد كل من يدعمها أو يفكر بدخول سوريا الى جانبها كانت كفيلة بايصال الرسالة أن الخطوط في سوريا لا يمكن أن تُمس. واليوم أي من اشكال التفاوض في جنيف 3 أو غيره لم يعد يؤثر على الخطوط التي رسمتها روسيا لها خلال هذه الفترة من تحركها على الأراضي السورية. ولكن لا يعني هذا أن اخراج روسيا لجزء من قواتها سيضر بوضع الدولة السوريّة بل أن العلاقات بين البلدين ممتازة بقوّة من خلال تنسيق فيما بينهما في قاعدة طرطوس وحميميم بالإضافة الى الإستمرار في ضرب النصرة وداعش الأكثر خطراً مقايسة مع الجماعات الإرهابيّة الأخرى، يضاف الى ذلك أن هذا التحرّك جاء بالتنسيق مع بشار الأسد وهو ما اعلن عنه الجانبان وبالتالي ما يدلل على مستوى التنسيق بينهما وبأن التحرك الروسي جاء وفق احترام السيادة السورية وليس تخطّيها كما تفعل امريكا وبعض الدول الأخرى. وفي هذا السياق تجدر ايضاً الإشارة الى ان هناك سعياً غربياً لمحاولة احداث شرخ بين روسيا وسوريا، وهو ما لم تنجح فيه خلال الفترة الماضية باعتبار عدم وجود اسس له.