الوقت- أتى القرار الروسي بتخفيض عدد القوات الروسية المتواجدة في سوريا بعد خمسة أشهر من التواجد القوي في الميدان السوري والمعركة المفتوحة التي خاضتها القوات الروسية ضد التنظيمات الارهابية على الساحة السورية بما في ذلك تنظيم داعش الارهابي. وقد أثمر هذا الحضور الروسي نتائج واضحة لجهة تحرير مناطق كبيرة على أيدي الجيش السوري من أيدي هذه التنظيمات.
القرار الروسي المفاجئ!
أتى قرار الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" باعادة القوات الروسية المتواجدة في سوريا إلى قواعدها في روسيا مفاجئا لكثير من دوائر صنع القرار الغربي. إضافة إلى العرب حيث يأتي هذا القرار في وقت حساس جدا ويحمل في طياته الكثير من الرسائل وفي مختلف الاتجاهات. ويمكن قراءة الكثير من هذا القرار حيث يعكس الطمأنينة الروسية على قوة النظام السوري وعلى رأسه الرئيس "بشار الأسد" رغم أن البعض من العرب يحب أن يقرأ من هذا القرار تراجعا روسيا عن دعم "الأسد" رغم التصريحات الروسية التي تؤكد عكس ذلك.
إنطلاق العمليات العسكرية الروسية بناء لطلب الرئيس السوري "بشار الأسد"
فقد أعلنت موسكو في الثلاثين من أيلول سبتمبر من العام الماضي انطلاق العمليات العسكرية ضد المجموعات الارهابية المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية. وقد أتى هذا القرار بعد أن أقر مجلس الدوما الروسي قانونا يعطي الحق بموجبه للرئيس الروسي بارسال قوات روسية للقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد. وبالفعل اتخذ "بوتين" قرارا بارسال قوات روسية إلى سوريا ضمن إطار مشروع روسي لمكافحة الارهاب. لتبدأ بعدها القوات الروسية بشن غارات جوية على مواقع الارهابيين بهدف تدمير البنى التحتية التي أنشأتها تلك المجموعات بما في ذلك تنظيمي داعش والنصرة الارهابيين. وقد تمكن الروس خلال هذه الغارات من تدمير عشرات المقار والمخازن التابعة لللارهابيين على كافة الأراضي السورية.
تحرير مناطق واسعة من الأراضي السورية
وفقا لمهمة القوات الروسية التي دخلت الأراضي السورية منذ ما يقارب الخمسة أشهر، كان الحفاظ على النظام السوري في مواجهة التنظيمات الارهابية التي تواجهه على سلم الأولويات الروسية إضافة إلى تشكيل غطاء جوي قوي لقوات الجيش السوري على الأرض التي تمكنت بدورها من استعادة مساحات واسعة من الأراضي السورية التي كانت لفترة طويلة تحت سيطرة التنظيمات الارهابية بما فيها داعش.
تدمير صهاريج تهريب النفط السوري إلى تركيا
إضافة إلى تدمير البنى التحتية للارهابيين قامت القوات الروسية بخطوة متقدمة وهي تدمير قوافل من صهاريج النفط السوري والعراقي الذي تقوم داعش بتهريبه وبيعه إلى الأتراك. وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن عدد الصهاريج التي دمرتها المقاتلات الروسية تتعدى الألفين. وهدفت هذه الغارات إلى قطع شريان الامداد المالي الذي كان يتمتع به تنظيم داعش الارهابي وتنظيمات أخرى.
زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو
في خضم الأحداث وانقلاب موازين القوى الكبير لصالح النظام السوري قام الرئيس "بشار الأسد" بزيارة مفاجئة إلى روسيا التقى خلالها نظيره الروسي وجرى البحث بتفاصيل العمليات العسكرية التي تشهدها الأراضي السورية. وقد أكد الرئيس "الأسد" خلال هذه الزيارة على التقدير والشكر لروسيا على مواقفها الواضحة والصريحة الداعمة لسوريا.
الخطوة التركية المتهورة اتجاه الروس وتأزم العلاقات بين الطرفين
بعد التغيير الكبير في موازين القوى في الميدان السوري كان واضحا من التصريحات التركية مقدار التخبط الكبير الذي تعيشه أنقرة. إلى أن حصلت الحادثة الشهيرة باسقاط مقاتلة روسية من قبل نيران تركية ومقتل أحد طياريها. وقد ادعت أنقرة أن الطائرة قد تجاوزت الحدود مما تطلب إسقاطها. وكان لهذا الحادث تداعيات كبيرة على العلاقات التركية الروسية وصلت إلى حد طلبت وزارة الخارجية الروسية من مواطنيها ترك الأراضي التركية إضافة إلى اتخاذ اجراءات اقتصادية معاقبة للأتراك ووصلت الأمور إلى حد قريب من إعلان الحرب بين الطرفين.
اقامة منظومة S-400 للدفاع الجوي على الأراضي السورية
سارع الروس إلى إقامة منظومة الدفاع الجوي الروسية الشهيرة S-400 على الأراضي السورية وذلك بعد يومين فقط من إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك. وقد استقرت المنظومة في معسكر حميميم الواقع في أطراف اللاذقية والهدف من هذه المنظومة حماية المواقع العسكرية السورية حسب التصريحات الروسية. كما أن هذه المنظومة ستبقى على الأراضي السورية خلال المرحلة المقبلة.
الانجازات السورية في الميدان
فبعد الحضور العسكري الروسي وخاصة الغطاء الجوي الذي شكله للجيش السوري تمكن الأخير من استعادة مناطق واسعة من الأراضي التي احتلها الارهابيين. حيث طهر الجيش السوري ريف اللاذقية بشكل كامل طاردا منه الجماعات التكفيرية بالكامل.
كما تمكن الجيش أيضا من تحقيق انجازات على الجبهة الشرقية قرب الحدود مع الاردن وفي مدينة ادلب التي تشكل المركز الرئيسي لاستقرار جبهة النصرة الارهابية.
وبموازات هذه الانجازات كان الجيش السوري وحلفائه وتحت الغطاء الجوي الروسي يتقدم بشكل كبير في ريف حلب حيث تمكن من تطهير مناطق واسعة من الريف الجنوبي. إضافة إلى تحرير مطار كويرس الذي بقي تحت سيطرة التنظيمات المسلحة لثلاث سنوات. وبهذا الانجاز تكون القوات السورية قد حققت تقدما كبيرا في المحور الشرقي لمدينة حلب. وقد يكون الانجاز الأهم فتح الطريق وفك الحصار عن مدن نبل والزهراء والوصول إلى الحدود التركية، ومن الجدير ذكره أيضا أن هذه المناطق كانت تعتبر إلى وقت قريب خط دفاع قوي للجماعات التكفيرية في الشمال السوري بموازات الحدود مع تركيا.
النيران الروسية العنيفة ضد الارهابيين على كافة الأراضي السورية
فبالموازات مع كل الانجازات التي تحققت اتسمت الغارات الروسية بالقوة والجدية على عكس غارات التحالف الدولي الأمريكي. فقد أمطرت المقاتلات الروسية مواقع التنظيمات الارهابية في الرقة وادلب ودير الزور ودرعا وأطراف حمص إضافة إلى ريف دمشق بأشد الغارات الجوية مما أثمر انتصارات كثيرة في مختلف هذه المناطق. بالاضافة إلى مقتل "زهران علوش" قائد التنظيم الارهابي المعروف بجيش الاسلام بالتنسيق بين القوات الروسية ومعلومات من القوات الخاصة السورية.
الاتفاق على وقف اطلاق النار ومن ثم تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سوريا
فبعد الاتفاق الروسي الأمريكي على وقف اطلاق النار على كافة الجبهات باستثناء تنظيم داعش والنصرة الارهابيين تم وقف النار فعليا ومن أجل فتح المجال لانهاء الأزمة سياسيا وبعد ثلاثة أسابيع من إعلان وقف اطلاق النار وأمام الانجازات الميدانية للجيش السوري والقوات الحليفة معه وتثبيت الاستقرار في مناطق واسعة من الأراضي السورية المحررة وافساحا في المجال للمصالحات الداخلية السورية السورية قررت كل من دمشق وموسكو وبعد التشاور بين الرئيسين "بوتين" و"الأسد" تخفيض عديد القوات الروسية على الأراضي السورية وتقرر أن تستمر العمليات العسكرية بحجم يتناسب مع الواقع الميداني لا أكثر.
بناء عليه لم تعلن روسيا الانسحاب كليا من سوريا بل أكدت على الاستمرار في مواجهة الارهاب مع إفساح المجال للحل السياسي الداخلي السوري. وما حصل مؤشر قوي على متانة العلاقة بين الطرفين وعلى الثقة التي أصبحت لدى الروس بقوة النظام السوري وتماسكه. وتبقى الأيام المقبلة هي الكفيلة بازاحة الستار عما تخبأه الأيام للميدان السوري.