الوقت- تشهد البرازيل مرحلةً عصيبة، تُنبىء بما هو أسوأ. فالدولة التي تعاني من وضع اقتصاديٍ حرج، دخلت دوامة الأزمة السياسية، في ظل فضائح بالفساد طالت الرئيس السابق "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا"، والتي جعلت التحقيقات قريبة من الرئيسة الحالية "ديلما روسيف" والتي تكافح لتفادي إجراءات لعزلها. فكيف يمكن قراءة الوضع البرازيلي في المرحلة الراهنة؟ وما هي أهم الأسباب الإقتصادية لذلك؟
البرازيل: مظاهرات في ظل اقتصادٍ راكد
شهدت البرازيل تظاهرات ضخمة شارك فيها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، طالبت باستقالة الرئيسة اليسارية "ديلما روسيف". وتشلّ البرازيل منذ أكثر من سنة أزمة سياسية كبرى، أجّجتها فضائح فساد ضخمة في شركة "بتروبراس" النفطية العملاقة المملوكة للدولة، والتي طاولت الرئيس السابق "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا"، والمعروف بأنه عرّاب روسيف. وقالت الشرطة أن 1.8 مليون شخص تظاهروا في ساو باولو، أكبر مدن البرازيل، و1.4 مليون في سائر البلاد. في حين لا يشمل الرقم تظاهرة ضخمة جمعت مئات الآلاف في ريو دي جانيرو، ومسيرات في العاصمة برازيليا وقرطبة وريسيفي. وكانت قد دعت الى التظاهرات حركات مواطنة تميل الى اليمين، والتي نظمت ثلاثة تحركات مشابهة عام 2015، جمع أهمها 1.7 مليون متظاهر في آذار الماضي.
من جهةٍ أخرى، أعرب المتظاهرون عن دعمهم القاضي "سيرجيو مورو" المكلّف التحقيق فــي ملف الفساد في "بتروبراس". وفي برازيليا، صوّر متظاهرون لولا في شكل دمية ضخمة من البلاستيك، مرتدية لباس السجناء المخطط بالأبيض والأسود. ويلاحق القضاء لولا في قضية "بتروبراس"، بعدما حفّز معجزة اجتماعية - اقتصادية في البرازيل خلال عهده بين العامين 2003 و 2010. وللمرة الأولى انضمت أحزاب المعارضة الى التظاهرات، إذ أن زعيم المعارضة "إيسيو نيفيس" الذي خسر أمام روسيف في الدورة الثانية من إنتخابات الرئاسة عام 2014، شارك في مسيرة ساو باولو. وتأمل المعارضة بحشد أعداد ضخمة في الشارع، للضغط على نواب يترددون في التصويت على بقاء روسيف، أو عزلها في الاسابيع المقبلة، لإتهامها بتزوير الحسابات العامة خلال حملتها الانتخابية. وتعاني البرازيل، وهي سابع اقتصاد في العالم، سنة ثانية من الركود، إذ تراجع الناتج الاجمالي بنسبة 3.8 في المئة عام 2015، على خلفية تضخم تجاوز 10 في المئة وارتفاع ضخم للعجز العام.
وهنا فلا بد من الإشارة الى أن الشرطة الإتحادية البرازيلية كانت قد احتجزت الرئيس السابق "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا" الجمعة٬ لاستجوابه في تحقيق يتعلق برشى وغسل أموال٬ قالت إنها مولت حملات ونفقات لحزب العمال الحاكم. كما أكدت الشرطة بأن لديها أدلة تثبت أن٬ "لولا دا سيلفا" استفاد بشكل غير قانوني من عمولات في شركة النفط الحكومية "بتروبراس" في صورة مدفوعات ومنزل فاخر. ويأتي اعتقال "لولا دا سيلفا" في إطار تحقيق كبير شمل نواباً ورجال أعمال ذوي نفوذ٬ وقد لطخ إرث أقوى سياسي في البرازيل والأساليب التي استخدمها حزبه لترسيخ سلطته منذ صعوده للحكم قبل 13 عاماً. وتجعل الأدلة ضد لولا التحقيقات قريبة من الرئيسة الحالية ديلما روسيف التي تكافح لتفادي إجراءات لعزلها ولانتشال البلاد من أسوأ تباطؤ اقتصادي خلال عقود.
أسباب و دلالات
عددٌ من الأسباب تكمن خلف المشاكل التي تعصف بالبرازيل، وهو ما يمكن أن نشير له بالتالي:
- تواجه البرازيل خلال العام الحالي، أسوأ مخاوفها الإقتصادية٬ لا سيما بعد أن أنهى عام 2015 أمنيات مدينة الإحتفالات والكرنفالات والأولمبياد٬ بسبب ما وصل إليه الوضع الإقتصادي في البلاد من سوء. فقد إنكمش الإقتصاد البرازيلي بنسبة 3.8 في المائة العام الماضي٬ ليُضيف أعباء اقتصادية على الدولة التي كانت الأسرع نمواً بين الدول الناشئة، الأمر الذي جعلها تدخل في أسوأ ركود منذ 25 عاماً. كما تباطأ معدل النمو منذ 2011 على الرغم من زيادة الإنفاق الحكومي والقروض المدعومة٬ والتي تسببت في زيادة معدلات التضخم وزيادة أسعار الفائدة وتآكل الموارد المالية الحكومية.
- من جهة أخرى، أظهرت بيانات وكالة الإحصاءات في البرازيل٬ في بيانها الخميس المنصرم٬ أن مؤشرات الإقتصاد الكلي أظهرت تراجعاً كبيراً خلال العام الماضي٬ الأمر الذي جاء عكس توقعات البنك المركزي البرازيلي بانكماش قدره 3.4 في المائة. وهنا فإن عدداً من الأسباب أدت الى الإنكماش الذي حصل العام المنصرم، والتي منها انهيار الإستثمار وانخفاض أسعار السلع التي تصدرها البرازيل وتقييد الإنفاق الحكومي وخفض معدلات النمو. فيما يقول المحللون، بأنهم يتوقعون أن تشهد البرازيل انكماشاً مماثلاً هذا العام٬ حيث لا توجد محركات كبيرة للنمو حتى الآن٬ غير أن الصادارات قد تلعب دوراً كبيراً خلال العام الحالي.
- كما أن الأزمة السياسية في البلاد سيكون لها الأثر الكبير في ضرب الإقتصاد البرازيلي. فقد انهارت عدد من القطاعات لا سيما المعادن، متأثرا بتراجع أسعار النفط وتحقيق شركة بتروبراس الذي يحقق فيها ممثلو الإدعاء الفيدرالي٬ باتهام الرئيس السابق "لويس لولا دسيلفا" بتلقي الرشى من شركة بتروبراس. وانخفض القطاع التجاري بنحو 2.6 في المائة خلال نفس الفترة٬ كما انخفض القطاع الصناعي بنحو 2.5 في الربع الرابع من 2015.
- أما بالنسبة للعملة البرازيلية، فقد قفز الریال البرازيلي أكثر من ثلاثة بالمائة في التعاملات في السوق المالية، مع مراهنة المستثمرين على أن الإضطراب السياسي قد يسفر عن تشكيل ائتلاف حاكم أكثر دعماً لسياسات السوق٬ فيما ارتفع مؤشر "ساو باولو" الرئيسي في استجابة سريعة لأسواق المال بنحو 4 في المائة.
إذن يبدو أن عواصف الإضطراب عادت لتضرب البرازيل من جديد. وهي الدولة التي تعاني من وضعٍ إقتصاديٍ صعب، الى جانب حالةٍ من كثرة الأمراض المُستعصية التي طالتها مؤخراً. في حين تتداخل السياسة بالإقتصاد، لتجعل من الوضع بأسره رهن المستقبل. فكيف ستنتهي أزمة الفضائح والفساد، وهل سينتهي معها سوء الأوضاع؟ أم أن ما يجري ليس سوى بدايةٍ لما هو أسوأ؟