الوقت - تشهد السياسة القطرية تجاه مصر تحولاً مفاجئاً، حيث تنتقل دولة قطر من مرحلة صاخبة ومتحدية لحكم السيسي في مصر وأنصاره في دول الخليج الفارسي، إلى مرحلة أكثر هدوءا، في تطور مفصلي في المنطقة لا يمكن التقليل من أهميته.
قطر تدعم حكم الأخوان في مصر
فمنذ وصول الأخوان المسلمين إلى الحكم خلال ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك، لم يتوقف الدور القطري في تقديم أنواع الدعم لحكم الأخوان المسلمين الاعلامي والسياسي والاقتصادي، حيث تولت قنوات شبكة "الجزيرة"، الذراع الاعلامي لقطر، مهمة الترويج لحكمهم والانحياز إليهم في النقاشات الدائرة حوله في تلك الفترة. ومن الناحية الاقتصادية قدمت قطر مجموعة من المنح المالية لسد العجز في الميزانية المصرية آنذاك، كما أودعت 2 ( مليارين ) دولار لدى المصرف المركزي المصري لدعم الاقتصاد المنهك بعد أشهر من الاضطرابات السياسية، كما أعلنت قطر عن نيتها تقديم 18 مليار دولار كاستثمارات خلال 5 سنوات، لتشمل هذه الاستثمارات محطات لتوليد الكهرباء والغاز الطبيعي المسال ومصانع للحديد والصلب وقطاع السياحة.
وبعد الاطاحة بحكم الأخوان وعزل الرئيس محمد مرسي، ووصول السيسي إلى الحكم، شنت شبكات الجزيرة حملات تحريضية ضد حكم السيسي ولصالح تيار الأخوان المسلمين، وبالرغم من أن المسؤولين في قناة “الجزيرة” كانوا يؤكدون دائما انهم یتبعون سياسة اعلامية متوازنة تجاه تغطية الاحداث المصرية، لكن هذا الدفاع على وجاهته لم يكن مقبولا او مقنعا، لان مجرد استضافة قادة الاخوان المسلمين او المتعاطفين معهم في اي برنامج من برامج القناة یشکل انحيازا لهم ضد النظام وتحريضا عليه، وانتصارا لمعارضيه.
سياسة قطر هذه جرت عليها القطيعة من قبل الدول الخليج الفارسي الأخرى التي وجدت في دعم قطر لجماعة الأخوان المسلمين المدرجة على قائمة الارهاب لدى كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة، تحدياً لإرادة ومصالح مجلس التعاون الخليجي. وبلغ التوتر بين الجانبين أشده عندما سحبت كل من السعودية والإمارات العربية والبحرين سفرائها من قطر، وأصدرت بياناً مشتركا تحتج فيه على عدم التزام الدوحة النظام الأساسي لمجلس التعاون والاتفاقات الأمنية الموقّعة بين دوله، والتي تقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس في شكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء من طريق العمل الأمني المباشر أم من طريق محاولة التأثير السياسي، وكذا عدم دعم الإعلام المعادي.
التحول في الموقف
بدأت أولى علائم التحول في الموقف القطري تجاه مصر، عندما قامت السلطات القطرية بإبعاد سبعة من قيادات الأخوان المسلمين والمتعاطفين معها، حيث وصف مراقبون هذه الخطوة بأنها بادرة حسن نية أبدتها قطر للتقرب من حكم السيسي في مصر، ثم تبع هذه الخطوة عدة خطوات أخرى، حيث تغير لحن التعاطي الاعلامي تجاه ما يحدث في مصر بشكل كلي، فمنذ وصول وفد يضم السيد خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السعودي والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مبعوث الامير القطري الى القاهرة والتقائهما بالرئيس السيسي تغيرت لهجة قناة “الجزيرة” كليا، وباتت تخاطب الرئيس السيسي بلقبه الرسمي، بعد ان كانت تصفه بقائد الانقلاب العسكري الذي اطاح برئيس منتخب، وتوقفت عن استضافة قادة الاخوان المسلمين او المتعاطفين معهم، حیث أعزى الجانب القطري هذا التحول في سياسة قناة الجزيرة إلى التجاوب مع دعوات الملك السعودي عبدالله الثاني، حيث قال مساعد وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" في حوار أجرته معه نفس المحطة: "حرية الرأي مكفولة في قطر لكن دعوات العاهل السعودي الى ان يكون الاعلام اكثر مسؤولية تستحق الإصغاء من الإعلاميين".
وفي رد على سؤال حول وجود وساطة قطرية بين السلطات الحالية والمعارضين لها قال "آل ثاني": ان الحكومة المصرية لم تطلب ذلك، وان طلبت فانه امر مرحب وستبذل قطر كل ما بوسعها لاصلاح البيت الداخلي المصري - وفقا لتعبيره - .
حقيقة الدور القطري
من الصعب التصديق أن دويلة كقطر التي لا تعدو مساحتها مساحة مدينة ولا يتجاوز عدد سكانها الاصليين نصف مليون نسمة والتي تعوم على بحر من النفط والغاز وتستضيف على أراضيها أكبر القواعد العكسرية الأمريكية في المنطقة، يمكن لها أن تلعب دوراً سياسياً مستقلاً نابعاً من إرادة وقناعة ثابتة. بل إن سياسات هذه الدولة لا يمكن أن تتعارض بشكل من الأشكال مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. كما من الصعب القول بأن الولايات المتحدة هي من الدول السمحاء التي لا تتدخل في شوؤن دول العالم وتترك لهذه البلدان الحرية في تقرير سياساتها دون تدخل أو املاء.
يشير مراقبون أن الدور القطري الموصوف بالبرغماتية والذي يجمع المتناقضات، هو جزء من المهمة التي أوكلتها الولايات المتحدة الأمريكية لقطر باستيعاب الأطراف والجماعات والدول التي لا تتفق في أدبياتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فاليوم تفتح الولايات المتحدة قنوات تواصل مع كل من طالبان والجماعات المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا والعراق عبر قطر، الأمر الذي لم تخفه السلطات القطرية، حيث اعترف الأمير تميم في وقت سابق بأن الدعم الذي قدمته قطر للمعارضة المسلحة في سوريا إنما جاء بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية. وربما ستأتي الأيام المقبلة باعتراف مماثل من قطر بأن العلاقة التي أقامتها مع الأخوان المسلمين جاءت أيضاً بإيعاز من الولايات المتحدة.
ويرى الصحفي والباحث السياسي "علاء بيومي" أن هذا التوجه الجديد لدولة قطر يأتي في سياق تحرك الولايات المتحدة الأمريكية لدفع نظام السيسي في اتجاهات معينة، وقال: النظام رغم قبضته الأمنية القوية، في حالة تخبط سياسي، وقد يريد الأمريكيون والقطريون العمل على دفع النظام من الداخل في اتجاهات معينة، قد يريد القطريون الوساطة بينه وبين معارضيه، وقد تحاول أميركا دفعه للإلتزام بمعايير الديمقراطية، خاصة وأنه في حاجة لمزيد من المساعدات الاقتصادية.. مضيفاً: كل ما سبق ليس استشرافا كافيا للمستقبل، فقد يكون عام 2015 عام انفتاح سياسي داخلي في مصر، أو عام يشهد مزيد من الارتباك الداخلي.
فيما يرى مراقبون آخرون بأن الدور الذي تلعبه قطر هو جزء من سياسة الولايات المتحدة القائمة على نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة ومن ثم العمل على ترتيب الوضع الداخلي لبلدان المنطقة بما ينسجم مع التطلعات والمصالح الأمريكية.